و الباطن عن نفسه، و هو المسمى بأسماء جميع
المحدثات» (الفص الإدريسي).
فالأمر حيرة في حيرة، واحد في كثرة، و كثرة مردها إلى واحد، و أضداد
تجتمع في حقيقة واحدة، و حقيقة واحدة لا تُعْرف إلا بقبولها الأضداد! و لكن هذه
حيرة الجهال. أما الواقفون على سر الحقيقة، العارفون بوحدة الوجود فلهم حيرة أخرى،
هي حيرة الذين يرون الحق في كل مجلى و يقرون به في كل صورة، فحيرتهم إنما هي في
تنقلهم الدائم مع الحق في الصور.
12- التنزيه و التشبيه
اقتضى هذا الموقف من ابن عربي أن ينظر إلى العين الوجودية الواحدة من
وجهين و أن يصفها بصفتين، سمى الأولى تنزيهاً و الأخرى تشبيهاً و لو أنه يغلب جانب
التنزيه على جانب التشبيه أحياناً و يعكس الأمر أحياناً أخرى حسب مقتضيات أحواله.
ففي موضع يبالغ في التشبيه إلى حد يكاد يصطبغ معه مذهبه بصبغة مادية، كقوله و هو
(أي الحق) هو المسمى بأسماء جميع المحدثات، و كقوله في مناقشة نظرية الأشاعرة في
الجوهر و الأعراض إن الحق ليس إلا ذلك الجوهر الذي تكلموا عنه، و إن تجليات الحق
في مظاهر الوجود ليست سوى أعراض ذلك الجوهر و أحواله (الفص اللقماني). و في موضع
آخر يبالغ في التنزيه إلى حد ترتفع معه كل مناسبة بين الحق و الخلق كأن يقول: «إذ
لا يصح أن يعرف من علم التوحيد إلا نفي ما يوجد في سواه سبحانه، و لهذا قال: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ»، و «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ» فالعلم بالسلب هو العلم باللَّه تعالى [1].
و لكن صفتي