و يلزم من هذا أن علم الحق بذاته هو علمه
بكل شي ء في الوجود سواء في ذلك ما كان منه بالقوة و ما كان بالفعل، و لكن الحق
يميز الأشياء عن نفسه من حيث هي موضوعات لعلمه، و هذا لا يتعارض مع وحدة العلم و
العالم و المعلوم.
و هو تمييز لا بد منه في طبيعة الوجود- أي طبيعة الوجود كما نعرفه.
11- العين واحدة مختلفة بالاحكام
و العين الوجودية واحدة، و لكنها تختلف بالأحكام، أي تختلف بالصور
التي يحكم عليها بما يميز كل واحدة منها عن الأخرى. فالصلة بين الحق و الخلق
(اللَّه و العالم) كالصلة بين الواحد العددي و ما ظهر عنه من الأعداد. فكما أن
الواحد العددي أوجد الأعداد كلها ففصلته و كثرته مع أحدية ذاته، كذلك أوجد الواجد
الحق الكثرة الوجودية المسماة بالعالم ففصلته و كثرته. و كما أن الواحد العددي هو
عين الأعداد الظاهرة فيه، كذلك الحق المنزه هو الخلق المشبَّه و ليس التمييز بين
الخلق و الخالق إلا بالاعتبار، و إلا فالخلق هو الخالق، و الخالق هو الخلق لأن
العين واحدة. و لكن من وجه آخر ليس الخلق حقاً و لا الحق خلقاً أي إذا نظرت إلى
صورة الخلق دون عينه و جوهره، فأنت هو لا هو و هو أنت لا أنت: أي أنت هو على
الحقيقة و بالعين و لست هو من حيث صورتك و مظهرك. و لهذا وُصِف الحق بالأضداد و
عرف بها «قال أبو سعيد الخراز:
و هو وجه من وجوه الحق و لسان من ألسنته عن نفسه بأن اللَّه تعالى لا
يعرف إلا بجمعه بين الأضداد في الحكم عليه بها» (الفص الإدريسي). «هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ ، و هو عين ما ظهر و ما بطن. ليس في الوجود من يراه غيره، و ليس في
الوجود شي ء باطن عنه. فهو الظاهر لنفسه