ثم يجلسون على منصة الحكم، فيقضون، لاعقل
فيرشدهم ... [1] ولاخشية من سو فتقدعهم [2]- ولا أرتاب أنكم بما جبلتم عليه من
الفطرة النقية والطينة الرحيضة [3] التي غشيتني، والداهية التي مَعكتْني بلا جنحة
اقترفتها، ولاجناية اجترحتها- فإن من لايَسْتعظم مصيبة العدوان، ولابلية الحيف
لايأبى أن أتى بها ولا يبالي أن يكون مصدرها. وليس في الحيف صغيرة ولاكبيرة، فإنه
منشأ سخافة العقل و قسوة القلب. و إذا اجتمعت هاتان الخلتان في رجل فقد استوت عنده
صغيرته و كبيرته- و أنت العدل حقاً والنِصْفة صدقاً ... [4] بل أنا موقن بغريزة
عقلكم الثاقب قد علمتم حقيقة هذه المصيبة و أسبابها و دواعيها و بواعثها. ولو
اكفهرت سحب التلبيس، و قول الزور، على سماء عقول كثير منالناس، و بطهارة نفسكم
الزكية قد استعظمتم هذا الجور و استوحشتم من هذا الضيم، الذي جنته على يد
قلوبالذين لايعقلون، لأن الحنانة علىالمظلومين واللهف عليهم، إنما تكون بمقدار
العدالة، وحب النصفة، والنفار من العدوان و كراهة الجور. و أنت تعالى مقامك، لك
القدم الأعلى في العدالة والقدم المُعَلىَّ في النصفة. و مع هذا و هذا وذاك أريد
أن أخبركم بحقيقة هذه البَليَّة المفجعة، حتى يكون سمعها كعيانها، وسترها
كإعلانها، فأقول إن الخديو كان يحبني قبل أن ينال الملك محبة صادقة. و أما أنا فقد
كنت وليا لمن ولَّاه، وعدوا لمن عاداه، و سَلاماً لمن سالمه، و حرباً لن عاداه،
ولا أزال أقدَع من يعاديه و أكف من يناويه، حتى إن الشيخ البكري [5] كان يريد أن
يثيرالناس بتحريك اسماعيلباشا [6] والإِفرنج (فذهب إليه ناصحاله مهددا إياه قائلا
إن الماسونيين عزموا على قتلك غيلة، لأنك تسعى في إدامة حكومة هذالظالم، فاصفر
لونه، وغلب عليه الخوف، و خاف ان لايعين اسماعيل باشا في شيء، و أن لايمتثل لأمره
[7] (و كل هذا بعلم الخديو وطلب منه)
______________________________
[1] عبارة غير واضحة لاتؤثر فيالسياق.
[2]. تمنعهم.
[3]. النظيفة.
[4]. عبارة غيرواضحة.
[5]. شيخالطرق الصوفية.
[6]. الخديو اسماعيل.
[7]. بينالقوسين جاءت في هامش المسودة تصحيحا لعبارة أخرى مشطوبة.
ولكنها واضحة و منها: «و إن الشيخ البكري أولا و شاهينباشا ثانياً كُلِّ منهما
يريد أن يثير فتنة و يجلب على مصر بلية عمياء. و انا هددت كلا بالماسونيين حتى كف
هذا و انقدع (بمعنى كف أو امتنع) ذاك».