مولاى، ها أنا ذا اليومٍ في القنال أذهب إلى لندن، و منها إلى باريس
مُسَلِّما عليكم، و مُمجِّداً إيَّاكم تمجيدا يكون إذا وجهته مقامكم، و كفاء لعلو
شأنكم، و يعادل عظيم درجتكم في نزاهة النفس و طهارة السريرة و نقاوة السيرة، و
يوازي جليل زينتكم من عقائل الصفات و كرائم الخلائق التي تدثرتم بها، مؤديا مدارج
كمال صعدتم فيها بالعقل المطبوع، و قَصَّر الآخرون حقها- و بما فطرتم عليه من
جبْلَة تأبى أن تقف علىالطوية دون أن تبطنها، و تستنكف إلَّاأن تخوضها و تكتنهها.
لاشك أن المصيبةالعظمى التي رمتني، والبلية الكبرى التي أصابتني، قد أحطتم بها
علما، وانكشف لكم باطنها عن ظاهرها، و سرها عن علنها، وظهرت لديكم خفيتها، و رفعتم
عن ظل أستارها حقيقتها، و علمتم أنها كانت حَيْفاً على بريء، جلبت التهمة على
نقى، و مابقيت إلى الآن تحت حندس الخفاء محجوبة عن بصيرتكم الثاقبة، ولا أكنتها عن
بصرك النافذ في أطباق الحجب المظلمة أستار العمى- فإن عقلًا محضا، ولبا صرفا،
مثلكم، لاتغُرَّنه الظواهر، ولايصغى الى نعق ناعق، ولايعير سمعه قول مجازف،
ولاتحركه عواصف التقولات، ولاتتزغره هبوب الافتعالات، بل لايمشى فيالحوادث
إلابنوره و هداه، ولاينقاد في الوقائع إلا إلى سلطان برهان أوضح له سبيل الحق و
أراه- لأنه يعلم أن من يأخذ بالظاهر يغتر و يغر، والذى يتبع كل ناعق يغر نفسه ...
[1] وكم أُلْبس الحقُّ لِباسَ الباطل، وكم ظهر الباطل بدثارالحق، و كم تَرَدى
الجور برداء العدل، و كم عُلَم العدل بعلامة الجور- و حوشيت أن تكون منالذين
عقولهم في آذانهم، و ألبابهم في حاشيتهم و بطانتهم، يعتقدون ما يقولون، و يقولون
ما يسمعون،