نام کتاب : الموجز فى تاريخ فلسطين السياسى نویسنده : شوفاني، الياس جلد : 1 صفحه : 212
و معنويا، الذي حققه صلاح الدين، وضع الوجود
الفرنجي في الشرق في موقع الدفاع عن النفس بصورة عامة، و بالتالي أطاح بالجهود
كلها التي بذلتها أوروبا في إقامة كياناتها في الشرق، و جعل نتائجها هباء. و
بامتلاكه القوة لفعل ذلك، فقد جعل الحملات الصليبية التالية، التي لم تتوقف، لا
تتعدى كونها غارات عقيمة. لقد حسم مصير الصراع بين الشرق الإسلامي و الغرب
المسيحي، فالشرق لا يزال قادرا على القيام بما يلزم لدحر عدوان الغرب و أطماعه. و
كانت الحملة الثالثة بعد سقوط القدس (1189- 1192 م) تعبيرا عن موازين القوى بين
صلاح الدين و أوروبا. و قد اتخذت فعلا هذا الطابع، إذ من جهة، كانت حرب دار
الإسلام ضد دار الحرب، و من جهة أخرى، حرب أوروبا المسيحية ضد الشرق المسلم. و بهذا
المعنى، كانت حملة ملوك أوروبا الكبار متواضعة النتائج جدا. و انتهت بصلح، بقيت
فيه مملكة الفرنجة على شريط من الساحل، تصارع بشأن البقاء؛ بينما انتقل الداخل كله
إلى يد صلاح الدين.
و بعد حطين أخذ صلاح الدين طبرية، ثم تقدم إلى عكا، فاستسلمت بعد
مقاومة طفيفة، و أذعنت مدن الجليل و حصونه، ثم أخذ نابلس و يافا، و كذلك بيروت و
صيدا، و ظلت صور. و انتقل إلى فلسطين، تاركا أنطاكيا و طرابلس، فأخذ الرملة و يبنى
و دير البلح و غزة و بيت جبرين و عسقلان. و كان بعض قادته يتحركون في طول البلاد و
عرضها، فأخذوا الناصرة و قيساريا و صفد و صفورية و الشقيف و جبل الطور و معليا و
غيرها. و أخيرا جاء دور القدس، فحاصرها، ثم ما لبثت أن أذعنت، و خرج الصليبيون
منها بموجب اتفاق، و دخلها صلاح الدين، و صلى الجمعة في 27 رجب 583 ه/ 2 تشرين
الأول/ أكتوبر 1187 م في المسجد الأقصى، بعد أن أزيلت عنه و عن الصخرة المشرّفة
المعالم النصرانية جميعها. و تجمع الصليبيون في ثلاث مدن ساحلية- أنطاكيا و طرابلس
و صور. أمّا المواقع الصليبية الحصينة في شرق الأردن- الكرك و الشوبك و غيرها، فقد
سقطت خلال العام التالي.
و إذ يسجل المؤرخون لصلاح الدين هذا الإنجاز الكبير، و ما واكبه من
تضحيات، و ما رافقه من بطولات و فروسية و مكارم الأخلاق .. إلخ، فإن البعض يأخذ
عليه عدم انتهاز الفرصة و استكمال المهمة بإسقاط أنطاكيا و طرابلس و صور. ففي صور
بالذات، بدأت الحملة الصليبية الثالثة، إذ وصلها كونراد دو مونتفرات، و تولى
الدفاع عنها، فتجمع حوله خليط من المقاتلين، جاؤوا من المدن التي سقطت في يد صلاح
الدين، و من جميع أنحاء أوروبا، جماعات جماعات. فصمد فيها حتى وصلت الحملة
الصليبية الثالثة، بقيادة ملوك أوروبا الأقوياء. و في أوروبا، بعد سقوط القدس،
تحرك البابا و استطاع استنهاض ثلاثة ملوك أقوياء: فيليب الثاني (أغسطس)،
نام کتاب : الموجز فى تاريخ فلسطين السياسى نویسنده : شوفاني، الياس جلد : 1 صفحه : 212