نام کتاب : الموجز فى تاريخ فلسطين السياسى نویسنده : شوفاني، الياس جلد : 1 صفحه : 145
جعل البحر الأبيض المتوسط بحيرة بيزنطية مرة
أخرى. و كان جوستنيان يرى نفسه وارثا للإمبراطورية الرومانية، و تصرف على هذا
الأساس، تحت شعار «دولة واحدة، قانون واحد، كنيسة واحدة». و لهذا الغرض جمع في يده
السلطة السياسية و الدينية و الإدارية، و تعامل مع النزعات الانفصالية و الطوائف
الدينية غير الأورثوذكسية بحزم و صرامة. و كان محبّا للبناء و الإعمار، إذ بنى
كنائس فخمة متعددة، و أقام مشاريع كثيرة، و أولى إدارة الدولة اهتماما كبيرا. لكنه
بنشاطه العسكري أفقر خزينة الدولة، و بانصرافه للعمل العسكري في الغرب، فتح الباب
أمام ملك فارس، كسرى أنو شروان لمهاجمته من الشرق، الأمر الذي اضطره إلى البحث عن
السلام مع كسرى بشروط قاسية و مذلة، و لقاء جزية سنوية ضخمة (532 م).
لكن السلام مع الفرس، الذي اشتراه جوستنيان بأتاوة كبيرة لم يكن
ليستمر.
ففي سنة 572 م، فتح الصراع مرة أخرى، و استمر طويلا حتى حسم سنة 629
م، على أيدي هيراكليوس (610- 641 م). و كان هيراكليوس (هرقل)، الإمبراطور النشيط و
القدير، قد تولى السلطة في بيزنطة بعد فترة من الفوضى و الهزائم على أيدي الفرس،
في أيام سلفه فوكاس. و بادر الفرس مرة أخرى (611 م) إلى غزو سورية و احتلال
عاصمتها أنطاكيا المدينة الرئيسية في الولايات الشرقية، ثم تابعوا زحفهم إلى دمشق،
فاحتلوها (613 م)، و منها إلى فلسطين (614 م)، فاحتلوها بمساعدة اليهود الذين
انضموا إلى الجيش الفارسي. و انتقم الفرس، و معهم اليهود من المدينة المسيحية
إيليا كابيتولينا، فهدموا كنائسها و أديرتها و معالمها المسيحية، و نهبوها، و
ذبحوا الكثيرين من سكانها، و حملوا معهم «الصليب المقدس»، و البطريرك زاكاريوس إلى
بلادهم.
و هذا الاجتياح الفارسي لم يتوقف عند بلاد الشام، بل تعداها إلى مصر
و آسيا الصغرى. و سقطت الإسكندرية (618 م)، في حين تقدم الجيش الفارسي إلى
«كابادوكيا»، و عسكر في مقابل القسطنطينية. و بعد تردد، قرر هيراكليوس البدء
بالحرب ضد الفرس. و كانت حملته في ربيع سنة 622 م بمثابة حملة صليبية لاستعادة
إيليا كابيتولينا و «الصليب المقدس». و تضامنت الكنيسة مع الإمبراطور بكل ثقلها،
المادي و المعنوي. و إضافة إلى النشاط التحريضي، و شحذ الهمم للانضمام إلى الحملة،
قدمت الكنيسة مدخراتها و كنوزها لدعم الجيش و الإمبراطور، الذي وجد خزينة الدولة
فارغة عندما تسلم الحكم من فوكاس. و في سلسلة من الحملات الناجحة في آسيا الصغرى و
غيرها، و خصوصا في أرمينيا- المستودع البشري لجيشه- استطاع هيراكليوس أن يحطم
القوة العسكرية الفارسية. و أخيرا، عقد الطرفان صلحا
نام کتاب : الموجز فى تاريخ فلسطين السياسى نویسنده : شوفاني، الياس جلد : 1 صفحه : 145