و يجب أن تكون عناية الملك ببيوت أمواله، كعنايته ببني آماله.
و تربيته لأصول ارتفاعه كربه الشنيعة عند ذوي اصطناعه. و أن لا يكون
عند الحاجة إلى ما في أيدي رعيته مفتقرا. و لا بالضرورة عند وقوعها في مضايقتهم
معتذرا. فيكون مثله كمثل الهرّة التي تأكل أولادها عند ضرورتها[2].
و تنسى ما كان لها عليهم قبل ذلك من حنوها و شفقتها. ثم جباة الأموال و من يتولاها
من قبلهم من العمال.
فهم رجلان: أما ذو جرأة و إقدام على الخيانة. و أما عف ذو أمانة قد
أضاع بالمحاباة و الذّب عن نفسه من حقوق الديوان ما هو حقيق بالصيانة. فلو استشعر
الأول أنّ له من يأخذه بسوء جنايته لكفّ عن غرب[3]
جرأته و خيانته. و لو تحقّق الثاني ممّن يسعى في إفساد حالته، لعمل بمقتضى علمه و
أمانته. فعدم النظر هو الذي طرق هذا الخلل، و أفضى إلى هذا الأمر الجلل.
ثم الأجناد[4] الذين هم
أعضاد الدولة و أنجادها، و أركان الملّة و أوتادها. و بهم يرهب العدو و يقمع. و
بسيوفهم يستأصل دابره و يقطع. قد أفسدت المساواة بينهم عقائدهم. و غيرت في الطاعة
عوائدهم. فتفرّقت أهواءهم المنتظمة في التساهل و العزائم. و قد قال الحكيم[5]: إذا تساوى الناس هلكوا.
و أعظم من ذلك: إهمال التفقد لأحوالهم. و إغفال شغلهم فيما قد أهلوا
له و استعمالهم. حتى قضى ذلك لهم باعتياد الرفاهية