فلما بلغ الوزير ذلك من كلامها أعجبه. و تفكّر فيه بعقله فاستجاده و
استصوبه. و قصّ عليها ما يتخوفه على الملك من الأعداء. و إنّ الجند قد تشعّبت بهم-
بعد السياسة- فرق الأهواء.
و الأموال قد انقطع درّها. و الأحوال قد استشرى شرّها. و الأطراف قد
كاد المتغلبون يتغلّبون عليها. و ارتفاع الأعمال قد خسر بسوء تصرف المتصرّفين
فيها. و الملك مشغول بأفراحه و لذاته. غافل عما يعقبه وخيم العقبى الذي يشمل رعيته
و يحضّه في ذاته.
فقالت الجارية: إن الدنيا لا ينال منها جانب إلّا بترك جانب.
و لا يوصل منها إلى رتبة إلّا بالنزول عن غيرها من المراتب. فإن سمحت
نفسك بهبتي للملك رجوت أن يتسرّى عنك همك. و يزول- بعون اللّه- حزنك و غمك.
فقال: إن فراقك ليحزنني. و إن فقدك ليعدمني روح الحياة و يفقدني. و
ما انتفع بالحياة بعدك! و أي أرب[1] يبقى لي
في الدنيا إذا زايلني شخصك، لا ذقت فقدك؟
قالت له الجارية: إنّ من حاول عظيما خاطر بعظمته، و من ظلّت ذا قيمة
نفسه ترك ما ينافس فيه لنفاسة قيمته.