استنباطه وجه الحيلة و تصرّفه. فعودي بنا
إلى أحسن ما بلغك من استمالة الحظايا لقلوب الملوك. فإنّ في ذلك من جواهر الحكم ما
يزري بنظم السلوك.
قالت: نعم- أعزّ اللّه- الملك:
[الملك الماجن]
ذكر أنه كان ملك من عظماء ملوك زمانه. قد أعلت الأقدار من شأنه. و
مكّنت له في سعة سلطانه. فاشتغل بلذّته عمّا ينهيه إليه وزيره[1]
من أحوال مملكته. و استهتر بصحبة قوم يميلون معه في أهوائه. و يحسنون عنده ما يصدر
عنه من آرائه. و إنّما قصدهم تمكين مكانهم من قلبه. و استدعاء محبته بالموافقة له
على ما هو كلف بحبه. و النفس أبدا تميل إلى الرخص. و تكره ما في عزائم الحقّ من
تجرّع الغصص. فإن أهمه أمر ممّا يقدح[2]
في الملك لم يكونوا فيه من أهل الغناء. أو حربة مكروه يعود بالخلل على الدولة لم
يلق عندهم ما يستدفع به من صواب الآراء. فهم كلّ على كاهل الملك ثقيل. و سبب من
أسباب الوبال يظهر أثره عمّا قليل.
[العقل و الهوى]
و قد قالت الحكماء: إنما صار الهوى أبرّ عندنا من العقل، لأنه يخلق
معنا. و إنما يكمل العقل فينا بعد مدة، فالرجوع إليه إنما يكون بمزاولة العنا.
فنحن نألف الهوى لقدم الصحبة، و نأنس به لطول المدة.