ثم أحضرت بعض المغنين الذين من عادتهم حضور مجالس أنسه. و ألقته عليه
و أمرته أن يغنيه به عندما يرى السرور و قد نشط من نفسه. فامتثل أمرها بالسمع و
الطاعة. و توخّى لها بحسن الارتياد تلك الساعة. فلما غنّاه به هام عند سماعه طربا.
و اتخذ سبيله في بحر بدائعه عجبا. ثم سأل عن" أبي عذرته"[1] و إلى من يعزى صحيح نسبته[2]. فلما علم بالقصة قام من فوره
إليها. و ألقى نفسه مبادرا عليها. و عاد بها إلى أحسن أحوالها عنده. و أعاد إليها
من محبته و رضاه ما كان خيرا لها ممّا يعدّه. فليكن الملك- أعزّه اللّه- على حذر
من حالة[3] يصير العقل
فيها بمثابة الأسير المقهور. و يعود ضياء البصيرة و قد غشيه من الظلمة ما سلبه
ضياء النور. فإنّ أكثر الدخائل إنما دخلت على الملوك في أوقات خلوتهم. و أعظم
الآفات إنما طرقتهم في الأوقات التي كانوا فيها أسراء شهوتهم. فعند ذلك يجد الخاتل
سبيلا إلى استذلاله. و المشير بالرأي المودي طريقا، إلى إلقاء ما زخرفه من باطل
قوله. فيكون كلامه المنمّق[4] في تلك
الحال
[1] أبو عذرته: المقصود هنا: الملحن، و الكناية ترد عند
الثعالبي في ثمار القلوب( ط. إبراهيم صالح، ص 397).