فلم تثنه هذه المواعظ في تقدمتها عن غيّه. و
لا ردّته هذه النصائح عن استدامة رئاستها، و لا قدرت على ليّه[1].
بل أصرّ على ما زيّنت له في أمرها النفس الأمّارة. و استمر على طاعتها معرضا عمّا
يشير به العقل من مصالح الولاية و الإمارة. و أقامت هذه الحظيّة على ملازمة
التنبيه له في كلّ وقت برقيق لفظها، و داومت على مواظبة التذكير له و التحذير
برقيق و عظها. فلما أكثرت عليه، غضب غضبا شديدا. و همّ بأن يرهقها من عذابه صعودا.
فلم يرعها ذلك و لا أفرقها[2]. و لا
صدّها عن النصيحة التي قد أنار العقل لها طرفها. بل قالت له: أيها الملك إنّ
الأفاضل من الملوك إنما يعاقبون للذنب لا للغضب[3].
و إذا عاقبوا لم يتجاوزوا بالمجرم حدّ الأدب. و إني لم آت جرما و لا اقترفت ذنبا.
و لا قلت ما قلته إلّا نصيحة[4] لك أيها
الملك و حبّا. و من لم يكظم غيظه[5] ندم. و قلّ
من صبر على حرارة جمرة الغضب في أوائلها إلّا نجا من إحراقها المهلك و سلم. و لم
يزل الغضب أبدا حاملا على العار و الفضيحة. و مغطيا على الفكرة السليمة و الروّية
الصحيحة. و ها أنا أذكر لك بعض آثاره الشنيعة القبيحة.
و أضرب لك في ذلك مثلا، فإنّ الأمثال رياض العقول الفسيحة.