مسدودا. و هو المجلس الذي يتميّز به الخبيث
من الطّيّب. و لا يزكو عنده إلّا ما جاده من الصواب صوب صيّب. فاستصوب مقصدها.
و استعذب موردها. و استجاد مغزاها. و استسدّ مرماها. و رسم- أعلا اللّه
أمره- بأن توسم" بأساس السياسة" تشريفا لي بالرفع بذلك من قدري، و
استدامة لعادته الحسنى في تحسين أمري. و إظهار جميل رأيه الذي ما زلت أعتدّه ظهيرا
على نوائب دهري. فامتثلت أمره العالي تيمّنا ببركاته. و تلقيا للنجح باقتفاء
مراسمه من جميع جهاته.
[الملك العزيز]
و لما كان محلّ هذه الرسالة من الجدّ على ما اشتملت عليه من الفكاهة
محل النصيحة الرفيقة، و مقصدها في الحق على ما انطوى في أفنانها من الدعابة من
أشرف المقاصد الصحيحة على الحقيقة.
و كان النّصح في الدين من أوكد الواجبات فرضا. و القيام به من أنفس
ما يقدّمه المدّخر عند اللّه قرضا. كان أحقّ من زفّت إليه عقائل النصايح. و أولى
من نبّه بالكلم الطيّب على العمل الصالح. من كانت بضايع الخير[1]
عنده نافقه. و سريرته في الرعاية لحقوق اللّه- سبحانه- لعلانيته موافقة، و عزيمته
في القيام بأوامر اللّه صحيحة صادقة. و همّته في اقتناص شوارد المعالي و المآثر
متقدّمة سابقة. مولانا السّيّد الأجل، العالم، السلطان العادل، المجاهد، المرابط،
الملك العزيز[2]. أعزّ
اللّه نصره و أسعد به عصره. و عمّر ببقائه ممالكه
[2] الملك العزيز: عثمان بن يوسف( صلاح الدين) من ملوك
الدولة الأيوبية بمصر. كان نائبا فيها عن أبيه و توفي أبوه في دمشق، فاستقلّ بملك
مصر-- سنة 589 ه. و حاول انتزاع دمشق من يد أخيه الأفضل مرتين فلم ينجح، و نجح في
الثالثة سنة 592 ه. و العزيز من ألمع ملوك بني أيوب، له علم بالحديث و الفقه كانت
الرعية تقدّره كثيرا ولد و توفي بالقاهرة.
انظر: ابن الأثير 12: 54؛ حلى
القاهرة 195؛ ترويح القلوب في ذكر الملوك بني أيوب 69( رقم 134)؛ شفاء القلوب 235؛
الأعلام 4: 215. و انظر مقدمة التحقيق.