فرأيت أن أمهّد معاني هذه الألفاظ و
أبسّطها. و أقرّبها إلى الأفهام تقريبا لا يعزّ عليها معه أن يقيّدها و يضبطها. و
أكسوها من القول حلّة تجلو بدايع محاسنها. و أصوغ لها من اللّفظ حلية تجلي بعيني
أي قلب معاينها. و أجلوها من المعارض في أحسنها سوالف و عوارض. و أتخيّر لها من
الأساليب ما يسلّم لحسن الاختيار فيه المناقض و المعارض.
و فكّرت فلم أجد أوفق من سبكها في قوالب[1]
الأسمار[2].
و إيداعها بواطن الأخيار عن قديمات الأخبار. فإنّ أكثر النفوس إلى
سماع القصص البعيدة مايلة. و عنها في أكثر الأوقات باحثة و عن غرائبها سايلة. لا
سيما أخبار الملوك مع جواريهم و حظاياهم. و فنون أحوالهم معهم و صنوف قضاياهم.
فإنّ نفوس الملوك إليها أكثر تطلعا. و أسماعهم إلى أخبارها أشدّ إصغاء و تسمّعا.
فاخترت لها هذا الأسلوب من بين الأساليب. و أدرجتها ضمن قصة جرت لبعض الملوك مع
بعض حظاياه فيما دار بينهما من الأعاجيب. و سلكت في ذلك مسلك من تقدّمني ممّن قصد
التأديب لا الأكاذيب. و وضع الأمثال الحكمية على ألسن العجماوات كالذئب مع الثعلب[3] و الأسد
[2] الأسمار ج. سمر: و هي أحاديث الليل. السامر: مجلس
السمّار، قال النديم في كتابه الشهير: إنّ الجهشياري صاحب كتاب الوزراء ابتدأ
بتأليف كتاب اختار فيه ألف سمر من أسمار العرب و العجم و الروم و غيرهم ..
فاجتمع له من ذلك أربعمائة ليلة و
ثمانون ليلة، كلّ ليلة سمر تام.
الفهرست: 363( ط. تجدد) و لاحظ
مقدمة التحقيق.
[3]وصل إلينا
في هذا المضمار كتاب النمر و الثعلب لسهل بن هارون( 215 ه)، حقّقه د. المنجي
الكعبي( تونس، 1980 م).