بنعمتك، و نشأ في ظلّ دوحتك. ليعرف من الصغر
و يستغني لكثرة الخبر. بتفاصيل أحواله في كثير من الأوقات عن العيان بالخبر.
فيقرّر له من الأغذية ما يلائمه لتدوم به صحته و يقدّر له من الحركات و الحمية ما
تحتمله لتستمرّ به مصلحته. فإذا بلغ سنّ التعليم. و احتاج إلى التبصير و التفهيم.
وجب أن تلتمس له جليسا صالحا ورعا. متفننا في العلوم متوسعا. فيكون ذلك طبيبا
لجسمه. و هذا طبيبا لنفسه.
و ذاك عنايته بتدبير أحوال بدنه. و هذا همته في تنوير قلبه للاهتداء
في الترقي إلى محل قدسه. و ينبغي أن تتقدّم إليه بطاعة كلّ منهما و توفير حظّه من
الإكرام. و أن يخصّ بالريادة من ذلك جليسه لفضل طبّ النفوس على طب الأجسام. و تأمر
جليسه بأن يجعل له وقتا مخصوصا لتعليمه و قدرا من الزمان معينا لتأديبه و تقويمه.
و أن لا يشغل زمانه كلّه بفنون الجد. و لا يحمل على قريحته ما لا تطيقه فيبهظها[1] بكثرة الكد. فإن القلوب إذا أكرهت
عميت. و القرائح إذا لم تروّح تبلّدت و فسدت. و الملك إذا لم يكن له حظ من العلوم
كان ناقصا في نفوس رعيته. و لم يكن للآداب و الفضائل عنده سوق لفقدان أهليته. و من
سعادة جدّ الملك أن يكون له وزير[2] صالح
[2] الوزير: اختلف في اشتقاق الكلمة. و الوزارة ضربان:
وزارة تفويض تجمع بين كفايتي السيف و القلم، و وزارة تنفيذ تختص بالرأي و الحزم، و
لكل منهما حقوق و شروط. للتفاصيل، انظر: قوانين الوزارة و سياسة الملك للماوردي،
تح: د. رضوان السيد، دار الطليعة، بيروت، ط 2، 1993 م؛ و المنهج المسلوك للشيزري،
200- 218.