كما أنّ هذه
الارض كانت خالية من الناس في ذلك الوقت، فهي أرض بكر لا ماء فيها و لا كلأ و لا
زرع و لا ثمر يمكن لابراهيم أن يتصرف فيها كيف يشاء، و يصححها على وفق الملّة
الجديدة.
4-
و كانت الخطوة الثانية هي: تشريع مناسك الحجّ للناس على ما يشير إلى ذلك القرآن
الكريم، و تؤيده الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السّلام، فقد ورد في القرآن
الكريم من سورة الحج- بعد آية الأذان في الناس بالحجّ- بيان مجموعة من تشريعات
الحج[5].
[5] - عن كلثوم بن عبد المؤمن الحرّاني، عن أبي عبد
اللّه( ع) قال:« أمر اللّه- عزّ و جلّ- إبراهيم( ع) أن يحجّ و يحجّ إسماعيل معه، و
يسكنه الحرم، فحجّا على جمل أحمر، و ما معهما إلّا جبرئيل( ع)، فلمّا بلغا الحرم
قال له جبرئيل: يا إبراهيم انزلا فاغتسلا قبل أن تدخلا الحرم، فنزلا فاغتسلا، و
أراهما كيف يتهيّئان للإحرام ففعلا، ثمّ أمرهما، فأهلا بالحج، و أمرهما بالتلبيات
الأربع التي لبّى بها المرسلون، ثمّ صار بهما إلى الصفا، فنزلا و قام جبرئيل
بينهما، و استقبل البيت، فكبّر اللّه، و كبّرا، و هلّل اللّه و هلّلا، و حمد اللّه
و حمدا، و مجّد اللّه و مجّدا، و أثنى عليه و فعلا مثل ذلك، و تقدم جبرئيل و تقدما
يثنيان على اللّه عزّ و جلّ و يمجّدانه حتى انتهى بهما إلى موضع الحجر، فاستلم
جبرئيل الحجر و أمرهما أن يستلما، و طاف بهما أسبوعا، ثم قام بهما في موضع مقام
إبراهيم( ع)، فصلّى ركعتين، و صلّيا، ثم أراهما المناسك و ما يعملان به، فلمّا
قضيا مناسكهما أمر اللّه إبراهيم( ع) بالانصراف، و أقام إسماعيل وحده ما معه أحد
غير امّه، فلمّا كان من قابل أذن اللّه لإبراهيم في الحجّ و بناء الكعبة، و كانت
العرب تحجّ إليه، و إنّما كان ردما إلّا أن قواعده معروفة، فلمّا صدر الناس جمع
إسماعيل الحجارة، و طرحها في جوف الكعبة، فلمّا أذن اللّه له في البناء قدم
إبراهيم( ع) فقال: يا بنيّ قد أمرنا اللّه ببناء الكعبة، و كشفا عنها، فإذا هو حجر
واحد أحمر، فأوحى اللّه- عزّ و جلّ- إليه ضع بناءها عليه، و أنزل اللّه- عزّ و
جلّ- أربعة أملاك يجمعون إليه الحجارة، فكان إبراهيم و إسماعيل عليهما السلام
يضعان الحجارة، و الملائكة تناولهما حتى تمّت اثنى عشر ذراعا، و هيّئا له بابين:
بابا يدخل منه، و بابا يخرج منه،
و وضعا عليه عتبا و شرحا من حديد على أبوابه، و كانت الكعبة عريانة، فصدر إبراهيم،
و قد سوى البيت، و أقام إسماعيل ...
و كانت الكعبة ليست بمسقّفة، فوضع
إسماعيل فيها أعمدة، مثل هذه الأعمدة التي ترون من خشب، و سقّفها إسماعيل
بالجرائد، و سوّاها بالطين، فجاءت العرب من الحول، فدخلوا الكعبة، و رأوا عمارتها،
فقالوا: ينبغي لعامل هذا البيت أن يزاد، فلمّا كان من قابل جاءه الهدي، فلم يدري
إسماعيل كيف يصنع، فأوحى اللّه- عزّ و جلّ- إليه أن انحره، و أطعمه الحاج، قال: و
شكا إسماعيل إلى إبراهيم قلّة الماء، فأوحى اللّه- عزّ و جلّ- إلى إبراهيم أن
احتفر بئرا يكون منها شراب الحاج، فنزل جبرئيل عليه السلام، فاحتفر قليبهم، يعني:
زمزم حتى ظهر ماؤها، ثم قال
جبرئيل( ع): انزل يا إبراهيم، فنزل بعد جبرئيل فقال: يا إبراهيم اضرب في أربع
زوايا، و قل: بسم اللّه، قال: فضرب إبراهيم( ع) في الزاوية التي تلي البيت، و قال:
بسم اللّه، فانفجرت عين، ثمّ ضرب في الزاوية الثانية، و قال: بسم اللّه فانفجرت
عين، ثمّ ضرب في الثالثة، و قال: بسم اللّه، فانفجرت عين، ثم ضرب في الرابعة، و
قال: بسم اللّه فانفجرت عين، و قال له جبرئيل: اشرب يا إبراهيم، و ادع لولدك فيها
بالبركة، و خرج إبراهيم عليه السلام و جبرئيل جميعا من البئر، فقال له: افض عليك
يا إبراهيم، و طف حول البيت، فهذه سقيا سقاها اللّه ولد إسماعيل، فسار إبراهيم، و
شيّعه إسماعيل حتى خرج من الحرم، فذهب إبراهيم، و رجع إسماعيل إلى الحرم». الكافي
4: 202- 205.