مصالح مقتضية لكن المنتفع بها هو
الإنسان دونه كما تقدّم.
و إذا كان كذلك فكان للعقل أن يبحث في
أطراف ما شرّعه من الأحكام و يطلب الحصول على الحسن و القبح و المصلحة و المفسدة
فيها، لكن لا لأن يحكم عليه فيأمره و ينهاه، و يوجب و يحرّم عليه كما يفعل ذلك
بالإنسان، إذ لا حاجة له تعالى إلى كمال مرجوّ حتى يتوجّه إليه حكم موصل إليه
بخلاف الإنسان، بل لأنّه تعالى شرّع التشريع و سنّ السنن ثمّ عاملنا معاملة العزيز
المقتدر الذي نقوم له بالعبودية و ترجع إليه حياتنا، و مماتنا، و رزقنا، و تدبير
أمورنا، و دساتير أعمالنا، و حساب أفعالنا، و الجزاء على حسناتنا و سيّئاتنا، فلا
يوجّه إلينا حكما إلاّ بحجّة و لا يقبل منّا معذرة إلاّ بحجّة، و لا يجزينا إلاّ
بحجّة كما قال: لِئَلاّٰ يَكُونَ لِلنّٰاسِ عَلَى اَللّٰهِ
حُجَّةٌ بَعْدَ اَلرُّسُلِ (النساء/165 و قال: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ
بَيِّنَةٍ وَ يَحْيىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ (الأنفال/42 إلى غير ذلك من
احتجاجاته يوم القيامة على الإنس و الجن، و لازم ذلك أن يجري في أفعاله تعالى في
نظر العقل العملي ما يجري في أفعال غيره بحسب السنن التي سنّها، و يدلّ على ذلك
الآيات الكثيرة التي تعلل الأحكام المجعولة بمصالح موجودة فيها كالصلاة و الصوم و
الصدقات و الجهاد و غير ذلك، لا حاجة إلى نقلها. 1
خلط الاعتبارات بالحقائق
و هناك خطأ آخر ارتكبه المتكلّمون في
أبحاثهم الكلامية، و هو خلط الاعتباريات بالحقائق، فجعلوا حكم الحدود الحقيقية و
أجزائها مطّردا في المفاهيم الاعتبارية، و استعملوا البرهان في القضايا الاعتبارية
التي لا مجرى فيها إلاّ للقياس الجدلي، فتراهم يتكلّمون في الموضوعات الكلامية
كالحسن و القبح و الثواب و العقاب في أجناسها و فصولها و حدودها، و أين هي من
الحد؟ و يستدلّون في