و أحكامنا كائنة ما كانت معتمدة على
فعله تعالى، فإنّ الخارج الذي نماسّه فننتزع و نأخذ منه أو نبني عليه علومنا هو
عالم الصنع و الإيجاد و هو فعله، فجميع ما بأيدينا من الأحكام العقلية سواء في ذلك
العقل النظري الحاكم بالضرورة و الإمكان، و العقل العملي الحاكم بالحسن و القبح
المعتمد على المصالح و المفاسد مأخوذة من مقام فعله تعالى معتمدة عليه.
فمن عظيم الجرم أن نحكم العقل عليه
تعالى فنقيّد إطلاق ذاته غير المتناهية فنحدّه بأحكامه المأخوذة من مقام التحديد و
التقييد، أو أن نقنّن له فنحكم عليه بوجوب فعل كذا و حرمة فعل كذا و انّه يحسن منه
كذا و يقبح منه كذا على ما يراه قوم.
و من عظيم الجرم أيضا أن نعزل العقل عن
تشخيص أفعاله تعالى في مرحلتي التكوين و التشريع، أعني أحكام العقل النظرية و
العملية، أمّا في مرحلة النظر فكأن نستخرج القوانين الكلّية النظرية من مشاهدة
أفعاله، و نسلك بها إلى إثبات وجوده، حتى إذا فرغنا من ذلك رجعنا فأبطلنا أحكام
العقل الضرورية، معتلا بأنّ العقل أهون من أن يحيط بساحته أو ينال كنه ذاته و درجات
صفاته، و إنّه فاعل لا بذاته بل بإرادة فعلية، و الفعل و الترك بالنسبة إليه على
السويّة، و إنّه لا غرض له في فعله و لا غاية، و إنّ الخير و الشر يستندان إليه
جميعا.
و لو أبطلنا الأحكام العقلية في تشخيص
خصوصيات أفعاله و سننه في خلقه فقد أبطلناها في الكشف عن أصل وجوده، و أشكل من ذلك
أنّا نفينا بذلك مطابقة هذه الأحكام و القوانين المأخوذة من الخارج للمأخوذ منه، و
المنتزعة للمنتزع منه، و هو عين السفسطة التي فيها بطلان العلم و الخروج عن الفطرة
الإنسانية، إذ لو خالف شيء من أفعاله تعالى أو نعوته هذه الأحكام العقلية كان في
ذلك عدم انطباق الحكم العقلي على الخارج المنتزع عنه-و هو فعله-و لو جاز الشكّ في
صحّة شيء من هذه الأحكام التي نجدها ضرورية كان الجميع ممّا يجوز