صرّح القرآن الكريم على أنّ اللّه
سبحانه لا يسأل عمّا يفعل و انّ الناس هم المسئولون عمّا يفعلون، قال تعالى:
لاٰ يُسْئَلُ عَمّٰا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ (الأنبياء/23 ، و
احتجّ المخالفون بوجوب شيء على اللّه تعالى، بأنّ لازم وجوب فعل على فاعل، صحّة
السؤال عنه و المؤاخذة عليه.
و الجواب: أنّ الوجه في عدم كونه تعالى
مسئولا عمّا يفعله، أنّ جميع أفعاله حكمة و صواب و لا يقال للحكيم لم فعلت الصواب،
و هذا بخلاف العباد فإنّهم يفعلون الحقّ و الباطل» . 1
و بعبارة أخرى، أنّ اللّه تعالى لمّا
كان بإنّيته الثابتة بذاته الغنية لذاته هو الإله المبدئ المعيد الذي يبتدئ منه
كلّ شيء و ينتهي إليه كلّ شيء فلا يتعلّق في فعل يفعله بسبب فاعلي آخر دونه، و لا
يحكم عليه سبب غائيّ آخر يبعثه نحو الفعل، بل هو الفاعل فوق كلّ فاعل، و الغاية
وراء كلّ غاية، فكلّ فاعل يفعل بقوّة فيه و إنّ القوّة للّه جميعا، و كلّ غاية إنّما
تقصد و تطلب لكمال ما فيه و خير ما عنده و بيده الخير كلّه.
و يتفرّع عليه أنّه تعالى لا يسأل في
فعله عن السبب، فإنّ سبب الفعل إمّا فاعل و إمّا غاية، و هو فاعل كلّ فاعل و غاية
كلّ غاية، و أمّا غيره تعالى فلمّا كان ما عنده من قوّة الفعل موهوبا له من عند
اللّه، و ما يكتسبه من جهة الخير و المصلحة بإفاضة منه تعالى بتسبيب الأسباب و
تنظيم العوامل و الشرائط فإنّه مسئول عن فعله لم فعله؟ و أكثر ما يسأل عنه إنّما
هو الغاية وجهة الخير و المصلحة، و خاصّة في الأفعال التي يجري فيه الحسن و القبح
و المدح و الذم من الأفعال الاجتماعية في