فنحن لا نشكّ في أنّ كلّ إنسان عاقل-على
ما وصفه الشيخ-إذا عرض على ذهنه قضية حسن العدل و قبح الظلم، لا يشكّ في التصديق
بهما، و وزان تصديقه بهما وزان تصديقه بأنّ الاثنين نصف الأربعة، و أنّ الكلّ أعظم
من جزئه، و من هنا كان إنكارها إنكارا للبديهيات، و تعدّ عند العقلاء سفسطة، يقول
العلاّمة الحلّي: «إنّ من الأفعال ما هو معلوم الحسن و القبح بضرورة العقل، كعلمنا
بحسن الصدق النافع، و قبح الكذب الضارّ، فكلّ عاقل لا يشك في ذلك، و ليس جزمه بهذا
الحكم بأدون من الجزم بافتقار الممكن إلى السّبب، و إنّ الأشياء المساوية لشيء واحد
متساوية-إلى أن قال: -و منكر الحكم الضروري سوفسطائي» . 2
هذا كلّه في أنّ قسما من قضايا الحسن و
القبح بديهي ضروري، و أمّا أنّ لها واقعية في نفس الأمر قد تطابقها فتكون صادقة و
قد لا تطابقها فتكون كاذبة، فقد عرفت أنّها تابعة لملاكات حقيقية ثابتة، من كونها
مشتملة على المصالح و المفاسد النوعية، و موافقة للفطرة أو غير موافقة لها، و
كونها في سبيل الكمال الوجودي و عدمه بناء على الملاكات التي سبق الكلام عنها، و
هذه حقائق ثابتة في نفس الأمر تبتنى عليها قضايا العقل في الحسن و القبح في
الأفعال.
نعم لو أريد من الحسن و القبح نفس المدح
و الذمّ الحاصلين من العقل، أو الأمر و النهي الجائيين من الشارع، فلا واقعية لها
سوى تطابق الآراء و في وعاء الاعتبار، لكن إذا لوحظت مبادئ ذلك المدح و الذم و
الاعتبار و ملاكاتها كان لها حظ وافر من الواقعية، و يمكن قياسها في ذلك إلى
المفاهيم الفلسفية كالعلّية و المعلوليّة و غيرهما، فإنّها منتزعة من الحقائق
الوجودية و نعوت لها، و إن لم تكن لها مصاديق مستقلة، وراء مصاديق المفاهيم
الماهوية (المعقولات الأوّلية) .