نافذ، و أرجح من الملاك السابق، لأنّه
كما يفسّر الخلقيات الاجتماعية كالإحسان و العدوان و نحوهما، يفسّر أيضا الخلقيات
الفردية كالصبر و القناعة و الحرص و الحسد و نحو ذلك، لكنّه غير صحيح في علم
الكلام، إذ لا يتصوّر الجانب العلوي و السفلي في حقّه سبحانه، و أمّا الجانب
العلوي بمعنى الكمال الوجودي فهو يرجع إلى الملاك الثالث و هو:
3. الكمال و النقص الوجوديان
قد ثبت في الحكمة الإلهية، أنّ الوجود
هو الأصل الذي تنشأ منه الآثار الحقيقية، و أنّه حقيقة واحدة ذات مراتب مختلفة حسب
الكمال و النقص، و الشدّة و الضعف، يقول الحكيم السبزواري:
مراتبا غنا و فقرا تختلف كالنور حيثما
تقوّى و ضعف
و أضعف المراتب ما لا حظّ له من الفعلية
إلاّ فعلية القوّة، فهي قوّة صرفة، و أقواها ما هو وجود صرف لا يشوبه قوّة و
فقدان، و هو الواجب الوجود بالذات تعالى و تقدّس، و بين المرتبتين سلسلة من
المراتب متنازلة و متصاعدة.
و قد تقرر أيضا ثبوت سنخية و مناسبة
وجودية بين الفعل و فاعله و الأثر و مؤثّره، و إليه يشير قوله سبحانه: قُلْ كُلٌّ
يَعْمَلُ عَلىٰ شٰاكِلَتِهِ ، فلكلّ مرتبة وجودية أثرها المناسب لها
كمالا و نقصا، و لا شكّ أنّ الكمال مطلوب بنفسه، و بغية كل طالب.
و الإنسان يجد من صميم ذاته أنّه طالب
لمراتب من الكمال فوق ما يشاهد في عالم المادّة، فهو-على حدّ تعبير القرآن
الكريم-كادح إلى ربّه كدحا 1و يطلب لقاء اللّه سبحانه، و لا ثمن له إلاّ الجنّة، و
لا يحصل له ذلك إلاّ بالكدح و السعي. وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلاّٰ
مٰا سَعىٰ^ وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرىٰ . 2