قال الشيخ الرئيس: «لمّا كان علم الحقّ
الأوّل بنظام الخير في الوجود علما لا نقص فيه، و كان ذلك العلم سببا لوجود ما هو
علم به، حصل الكلّ في غاية الإتقان، لا يمكن أن يكون الخير فيه إلاّ على ما هو
عليه، و لا شيء ممّا يمكن أن يكون للكلّ إلاّ و قد كان له. . و هذا هو الذي يسمّيه
الأوائل عناية، أعني سابق علم اللّه تعالى، بأنّه كيف يجوز أن يكون الوجود كلّه و
كلّ جزء منه في ذاته و فعله و انفعاله» . 1
و قال صدر المتألّهين: «إنّ العناية هي
كون الأوّل تعالى عالما لذاته بما عليه الوجود في النظام الأتم و الخير الأعظم و
علّة لذاته للخير و الكمال بحسب أقصى ما يمكن و راضيا به على النحو المذكور، و هذه
المعاني الثلاثة التي يجمعها معنى العناية من العلم و العليّة و الرضا كلّها عين
ذاته، بمعنى أنّ ذاته عين العلم بنظام الخير على وجه أعلى و أشرف لأنّه الوجود
الحقّ الذي لا غاية له و لا حدّ في الكمال وراءه، فإذا كان كذلك فيعقل نظام الخير
على الوجه الأبلغ في النظام و الأتم بحسب الإمكان فيفيض عنه ما يعقله نظاما و خيرا
على الوجه المذكور الذي عقله فيضانا و صدورا متأديا إلى غاية النظام و صورة التمام
على أتم تأدية» . 2
و الوجه في تسمية هذا عناية هو أنّ
العناية و الاعتناء بالشيء على ما نعقله من معناها هو أن يجتهد الفاعل في صدور أصل
الفعل أو صدوره على غاية ما يمكن من خصوصيات الكمال من غير أن يصرفه عن أصل الفعل
أو عن إيقاعه على غاية ما يمكنه من الكمال الاشتغال عنه بأمر أهم منه أو أحبّ أو
أعظم أو نحو ذلك، و الوجه في انصرافنا عن الأمور الحقيرة و اشتغالنا بعظائمها هو
أنّ لنا قريحة المقايسة بين الأشياء، فإذا عرض لنا فعلان واجبان أحدهما أهم و
الآخر مهم
[1] المبدأ و المعاد، المقالة الثانية،
الفصل 11، ص 88-90، و راجع أيضا شرح الإشارات ج 3، ص 318.