المثال هو أن يقوم مالك الماء بنفسه
بإسقاء العطشان كما فعل الإمام سيد الشهداء عليه السّلام بأعدائه في كربلاء، و
القصّة مشهورة، فترك هذه المرتبة من الجود لمن ليس له نظير في الجود و الكرم قبيح،
و صدورها عنه واجب، أي حسن ملائم لكمال الفاعل في ذاته و صفاته.
و ممّا ذكرنا يظهر وجه الجواب عمّا ذكره
السيد المرتضى في الإشكال على هذا الاستدلال بقوله:
«إنّ هذا المثال في غير موضع الخلاف
بيننا و بين أصحاب الأصلح و مثال موضع الخلاف: موسر كثير المال يعلم حال فقير في
جواره لا ضرورة به إلى عطيّته حتى إن فاتته استضرّ غاية الضرر، غير أنّه ينتفع بما
يدفعه إليه هذا الموسر من ماله، و لا ضرر كثير على الموسر في إيصال ذلك إليه، و
معلوم أنّ أحدا لا يوجب على هذا الموسر العطيّة» . 1
و الجواب: أنّ منع الإعطاء و إن لم يؤدّ
إلى هلاك الفقير، إلاّ أنّه ينافي الجود و الكرم، فهو بخل قبيح على الكريم، و لو
أدّى إلى هلاكه كان مستحقا للذم بوجهين: ترك الجود، و ترك الإنجاء.
الثالث: ترك الأصلح ينافي القدرة
المطلقة، قال أبو إسحاق النوبختي:
عدم وقوعه ينقص حقيقة القادر» 2و أوضحه
الشيخ الحمصي بقوله: «من كان له داع إلى الفعل و لا يقابل داعيه صارف فإنّه يفعله
لا محالة، إذ لو لم يفعله و الحال ما وصفناه، لقدح في اقتداره عليه و كشف عن أنّه
ليس بقادر عليه، إذ من حقّ القادر على الشيء وجوب وقوع ما دعاه الداعي إليه إذا لم
يصرف عنه صارف، و هذا هو الطريق إلى أنّ العباد فاعلون لتصرّفاتهم» . 3