إنّه (تعالى لمّا لم يكن مكانياً كان نسبته إلى جميع الأمكنة على السواء
فليس فيها بالقياس إليه قريب و بعيد و متوسط. كذلك لمّا لم يكن
هو (تعالى و صفاته الحقيقية زمانّية لم يتّصف الزمان مقيساً إليه
بالمضي، و الاستقبال و الحضور، بل كان نسبته إلى جميع الأزمنة على
السواء. فالموجودات من الأزل إلى الأبد معلومة له كلٌ في وقته، و ليس
في علمه كان و كائن و سيكون، بل هي حاضرة عنده في أوقاتها. فهو
عالم بخصوصيّات الجزئيات و أحكامها، لكن لا من حيث دخول الزمان
فيها بحسب أوصافها الثلاثة؛ إذ لا تحقّق لها بالنسبة إليه (تعالى. و مثل
هذا العلم يكون ثابتاً مستمّراً، لا يتغيّر أصلًا، كالعلم بالكلّيّات».[1]
و أجيب عن ذلك بوجه آخر و أحسن، و حاصله: أنّ الاشكال إنما
يتوجّه إذا كان علمه (تعالى حصولياً بارتسام صور الجزئيات في ذاته، و
لمّا كان علمه (تعالى بالموجودات حضورياً لا بارتسام صور الجزئيات
في ذاته؛ لكونها بهويّاتها الموجودة و حقائقها الخارجية العينية
فعله (تعالى و معلومة لذاته المقدّسة بالعلم الفعلي لا يلزم اشكالٌ. و
المقصود من علمه الفعلي أنّ فعله (تعالى)- و هو إيجاد الموجودات-
معلومٌ لذاته. و الموجودات بما لها من التغيّرات إنّما توجد بفعله سبحانه
فهي معلومة له. و لا يوجب ذلك تغيُّراً في علمه الذاتي الذي هو عين
[1] -/ شرح التجريد للقوشجي: ص 414.