و البُرءُ من المرض بمعنى التقطُّع من أسباب المرض و آثاره. و
البرائة من الدَّين قطع الذمة بافراغها منه. و البراءة من المشركين- كما
جاء في القرآن- قطع العلقة، و منه أصل التبرّي الذي من أصول المذهب،
و هكذا في ساير موارد.
و عليه فالباري هو القاطع الفاصل بين مخلوقاته بخصوصياتها
الذاتية و الصنفية و الفردية، و المقدّر بحصص وجوداتها، و المميّز
بينها بالأشكال و الصور المختلفة، بل بالآجال و مدّة الأعمار، و إن يُعبّر
عن الأخير- أي المميّز بالأشكال و الصور- بالمصوّر. أللهم إلّاأن يقال
أنّه خصوص المميز بصور الوجوه لا بأشكال ساير الأعضاء.
ثم إنّ ههنا نكتة، و هي أنّ الخصوصيات الذاتية و الصنفية و الفردية
غير قابلة للخلق و الايجاد باستقلالها، مع قطع النظر عن وجود الأشياء
ذويالخصوصيات؛ لأنّ الماهية ليست إلّاما انتزعه الذهن من كيفية
وجود الأشياء الخارجية و أدركه العقل و اختزنه في خزانة الذهن.
و عليه فليس معنى «الباري» خالق الماهيات و الخصوصيات بحيالها
مستقلًا، بل معناه تقدير الموجودات، و تحديد وجود كل شيٍ و تعيين
مقدار وجوده و تفكيك حصّتة الوجودية بمالها من الخصوصيات. و
هذا قول مَن قال: لا خَلَق اللَّه المشمشة مشمشةً بل أوجدها. كما هو
المراد من قوله (تعالى): «قد جعل اللَّه لكل شيءٍ قَدْراً».[1] و قوله (تعالى): «فخلق
[1]-/ سورة الطلاق: الآية 3.