ظهرت و انتشرت المجوسية في بلاد
فارس و ما جاورها و دان بها مُلوك الفرس حتى الفتح الإسلامي و يحيط الغموض بحياة
زرادشت و دعوته و اصول دينه و قد بقى إلى الآن أجزاءُ صغيرة من كتابه المُسمّى ب(
أوستا)، و هو عبارة عن مجموعة من الأدعية و الترانيم الدينية، و هم يقدّسون النّار
فسمّوا بعبدة النار، و قد بقيت لهم بقية إلى الآن و هي فئة صغيرة تسكن الهند و
ايران و آسيا الوسطى.
و قال الفاضل المقداد في المجوس:«
قيل إنّهم كانوا متعبّدين بدين ابراهيم عليه السلام و يقال للمجوسية الدين الأكبر؛
لأنّ دعوة ابراهيم كانت أعمّ من دعوة من بعده و أثبت المجوس للعالم مؤثّرين:
النور، و هو أزلى و فاعل الخير و يسمّى يزدان. و الظلمة، و هي حادثة فاعلة للشرّ،
و تسمّى أهرمن فاختلفوا فرقاً بحسب اختلافهم في حدوث الظلمة و بسبب امتزاجها
بالنور و خلاص النور عنها، و جعلوا الامتزاج مبدأ و الخلاص معاداً.
فالكيومرثية: زعموا أنّ يزدان
فكّر أنّه لو كان له منازع كيف يكون حاله معه فحدثت من هذه الفكرة الردية غير
المناسبة لطبيعته الظلمة، و هي مطبوعة على الشرّ فخرجت على النور و جرت محاربة بين
عسكريهما فتوسّط الملائكة بينهما على أن يكون العالم المسفلى لأهرمن سبعة آلاف سنة
ثم يسلّمه إلى يزدان.
و الزروانية: زعموا أنّ النور
أبدع أشخاصاً نورانية روحانية و أعظمها زروان حصل له ابنان في بطن واحد، أحدهما
أهرمز و فيه الخير و الطهارة و الصلاح، فاتخذه قوم ربّاً و عبدوه، و ثانيهما أهرمن
و فيه الشرّ و الخبث و الفساد و هو الشيطان، فطرده زروان لذلك فمضى و حارب أخاه
مدّة فغلبه و استولى على الدنيا و كانت سليمة من الشرور و أهلها كانوا في نعيم،
فلمّا حدث أهرمن حدثت الشرور و الآفات و كان بمعزل عن السماء فاحتال حتى خرق
السماء و صعد و قيل كان في السماء فاحتال و نزل بجنوده فهرب النور بملائكته فاتبعه
أهرمن و حاصره في جنّته و حاربه ثلاثة آلاف سنة، فتوسّطت الملائكة على أن يكون
أهرمن و جنوده في قرار الارض سبعة آلاف سنة مضافاً إلى الثلاثة ثم يسلّمها إليه و
الناس في الشرّ إلى انقضاء تلك المدة و أشهدا على أنفسهما عدلين و دفعها إليهما
سيفيهما و أمراهما أن يقتلا الناكث منهما.
و الزرداشتية: نقلوا عن شيخهم
زرادشت: أنّ النور و الظلمة أصلان للعالم، متضادّان و حصلت التراكيب في الصور من
امتزاجهما و الباري تعالى خالق لهما، و هو واحد لا شريك له، و الخير و الشرّ من
امتزاج النور و الظلمة، و لو لم يمتزجا، لم يحصل وجود العالم و هما متغالبان إلى
أن يغلب النور الظلمة و الخير و الشرّ و يتخلّص الخير إلى عالمه، و ينحطّ الشرّ
إلى عالمه، و إنّما مزجهما اللَّه تعالى لحكمة رآها و ربّما جعل النور أصلًا
موجوداً و الظلمة تبعاً له كالظلّ بالنسبة إلى الشخص، هذا حاصل مذهبهم»/ اللوامع
الالهية ص 301- 303.
نام کتاب : البراهين الواضحة في عقايد الإمامية على ضوء العقل و الكتاب و السنة نویسنده : السيفي المازندراني، الشيخ علي أكبر جلد : 1 صفحه : 119