الكلام
الثاني ناظر إلى مفاد الكلام الأوّل ليكون قرينة على تحديد مدلوله.
و
مثال الثاني أن يقول: (لا ضرر في الإسلام)، أي لا حكم يؤدّي إلى الضرر، فإنّ هذا
ناظر إجمالا إلى الأحكام الثابتة في الشريعة و ينفي وجودها في حالة الضرر، فيكون
قرينة على أنّ المراد بأدلّة سائر الأحكام تشريعها في غير حالة الضرر.
و
كلّ دليل ثبت إعداده الشخصيّ للقرينيّة على مفاد الآخر بسوقه مساق التفسير صريحا
أو بظهوره في النظر إلى الموضوع أو المحمول يسمّى بالدليل الحاكم، و يسمّى الآخر
بالدليل المحكوم، و يقدّم الدليل الحاكم على الدليل المحكوم بالقرينيّة. و نتيجة
تقديم الحاكم في الأمثلة المذكورة تضييق دائرة الدليل المحكوم و إخراج بعض الحالات
عن إطلاقه.
و
لا يختص الحاكم بالتضييق، بل قد يكون موسّعا، كما في حالات التنزيل نظير قولهم:
«الطواف بالبيت صلاة»، فإنّه حاكم على أدلّة أحكام الصلاة من قبيل: «لا صلاة إلّا
بطهور» لأنّه ناظر إلى تلك الأحكام و موسّع لموضوعها بالتنزيل إذ ينزّل الطواف
منزلة الصلاة.
و
يلاحظ من خلال ما ذكرناه التشابه بين الدليل الوارد النافي لموضوع الحكم في الدليل
المورود، و بين الدليل الحاكم الناظر إلى موضوع القضيّة في الدليل المحكوم، و
لكنّهما يختلفان اختلافا أساسيّا، لأنّ الدليل الوارد ناف لموضوع الحكم في الدليل
المورود حقيقة، و أمّا الدليل الحاكم المذكور فهو يستعمل النفي كمجرّد لسان لأجل
التنبيه على أنّه ناظر إلى الدليل المحكوم و قرينة عليه.
و
يترتّب على هذا الاختلاف الأساسيّ بين الدليل الوارد و الدليل