الخندق ليعبر عليه المسلمون وقد عجز عن حمله
أربعون رجلًا أو يزيدون[1] إلى غير
ذلك من المواقف المشهورة والغزوات المأثورة التي لا يسع نقلها هذا الكتاب: (وأما
الفصاحة) فقد كان أفصح العرب لساناً بعد رسول الله (ص) حتى قالت البلغاء أن كلامه
(ع) دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق وكفى لك شاهداً ما في كتاب نهج البلاغة
الذي اختاره الشريف الرضي من كلامه. (وأما الرأي) فقد كان مرجعاً للصحابة في
القضايا المشكلة والوقائع المهمة. (وأما الحلم) فقد كان أحلم الناس بعد النبي وكفى
دليلًا على ذلك عفوه عن مروان بن الحكم لما أسره يوم الجمل مع علمه بشدة بغضه[2] له وعفوه عن عبد الله بن الزبير
وكان يشتمه على رؤوس الأشهاد[3]. (وأما
الكرم) فقد كان أسخى الناس نفساً وانداهم يداً وقد روي الفريقان أن علياً وفاطمة
والحسين نذروا أن يصوموا ثلاثة أيام إذا بريء الحسنان ولما صاموا اليوم الأول
سألهم مسكين وقت الافطار فأسعفه بقوته وقوت عياله وفي اليوم الثاني طرقهم يتيم في
ذلك الوقت فجاد عليه أيضاً بقوته وقوت عياله وفي اليوم الثالث أتاهم أسير فأعطاه
ما أعطاه في اليوم الأول والثاني فأنزل الله تعالى في حقهم سورة (هل أتى)[4] وأشار إلى نفس هذه الواقعة بقوله [وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا][5] وتصدق
مرة أخرى بجميع ما يملك فأنزل الله وحيه في حقه [الَّذِينَ
يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ
أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ][6] (وأما
العبادة) فقد كان أكثر الناس عبادة ويشهد لذلك ما روى عنه (ع) أنه صلى النافلة في
ليلة الهرير بين الأعداء وسهامهم تحتوشه من بين يديه ومن خلفه وبلغ في العبادة إلى
حد إذا أصابه السهم ينتظر به حتى يقوم إلى صلاته فينتزع منه فلا يحس بذلك لشدة
توجهه وانقطاعه وذهوله عما سوى الله[7] ومن تدبر
أدعيته ومناجاته صح عنده ما ذكرناه وبيناه إلى غير ذلك من الصفات والكمالات التي
أستأثر بها وتفرد وجمع نمطها الأعلى وتوحد.
الدليل الرابع على إمامته بعد النبي
ظهور المعجزات بالمغيبات وقلع باب خيبر[8]
ومخاطبة الثعبان في مسجد الكوفة[9] ورد الشمس
له مرتين[10] وقلع
الصخرة العظيمة التي عجز عن نقلها أصحابه في
[1] الاصابة لأبن حجر العسقلاني ج 2 ص 502 ط
القاهرة مطبعة مصطفى محمد بمصر، ج 1 ص 7 ط القاهرة، اخطب الخوارزم في المناقب ص
104 ط تبريز، ينابيع المودة ص 38 ط اسلامبول.