فأمّا سالم العقيدة من داء النفاق والحسد فغير محتاج إلى شاهد
ومستند. وأمّا من تمكّن مرض النفاق والحقد في قلبه، حتى حال بينه وبين ربّه، فلا
يؤمن ولو جاءه الأمين جبرئيل بألف برهان ودليل، أما ترى جدي الإكسير الأكبر الطاهر
المطهر موسى بن جعفر لما رماه الإخباري الملعون[2]
بذلك النسب الخبيث لم يتعرض لردّه بكتابة أو كلام، ولم يُوكِّل ذلك إلى الأقلام،
وعلم أن لا قاطع لهذا التشاجر والخصام إلَّاحدَّ الحسام، فحكّمه في المقام، فقضى
على اللعين بعد التكفير ووروده الهاوية وبئس المصير، وصنع صنيع المعتز بالله
العلوي خليفة مصر، فإنّه لما فتح القاهرة وبعث جوهراً غلامه، فدخلها بالجند أمامه،
ودخلها بعده بأبّهةٍ باهرة موصولة قاهرة مُمتطياً جواده، مُتقلّداً سيفه، والعلماء
بين يديه، والأشراف والأعيان تحت ركابه ورجليه، فبينا هو كذلك إذ دنا منه ابن
طباطبا الشهير، فقال له إلى من ينتهي نسب الأمير؟ فقال له: سأعقد لذلك محفلا
ومحشدا فبكّر عليَّ مع الناس غداً، فلما كان الصباح جلس المعتز في القصر، وأمر
مناديه أن يجمع له جميع الأعيان والعلماء من ذلك العصر، فلما استكملوا قال: أيّها
الناس أريد أن أذكر لكم حسبي، وأنبئكم عن نسبي، أمّا نسبي فهذا وسلَّ سيفه من غمده
وهزّه حتى كادت حديدته أن تتهشم، وأمّا حسبي فهذا وكان أمامه طشت مملؤاً بالمال
فجعل يأخذ منه
[1] وردت في المخطوطة( الأذهان)، أنظر: شرح ديوان
المتنبي/ عبدالرحمن البرقوقي: 3/ 215.