البحث في مسألة أصالة البراءة، ولذا آثرنا في هذا المقام أن
ننقل كلمات القوم دون أن نعمل الفكر والدقة في صحتها وسقمها.
احتج القائلون بالأول
بأنها منفعة خالية عن مادة المفسدة العاجلة والآجلة، والأذن في التصرف معلوم عقلًا
فكانت حسنة، أما أنها منافع فظاهر، وأما أنها خالية عن المفسدة فلأنه المفروض،
وأما أن الأذن في التصرف معلوم عقلًا فلأنها لا مضرة في الانتفاع بها على المالك،
وأما إن كان كذلك فهو حسن لإنا نعلم حسن الاستظلال تحت جدار الغير والنظر في مرآته
إذا خلا عن أمارات المفسدة وكان غير مضر بالمالك لأن العلم بالحسن دائر مع العلم
بهذه الأوصاف وهي موجودة فيما نحن فيه فوجب الجزم بحسنها وإنها مباحة وهذا معنى
قولهم منافع بلا مفسدة.
فإن قيل عدم حصول العلم
بمفاسدها لا يوجب خلوها عنها لاحتمال اشتمالها على مفاسد غير معلومة، ولِمَ لا
يجوز أن يكون احتمال المفاسد كافياً في كون الشيء قبيحاً فلا يتم ما ذكرتم.
قلنا أولًا: أنه لو قبح
الإقدام لاحتمال المفسدة لقبح الترك لاحتمال المفسدة أيضاً، ووجوب الإنفاك عن كل
واحد منهما يستلزم التكليف بما لا يطاق لاستحالة ارتفاع النقضين.
ثانياً: إن العبرة في
كون الشيء قبيحاً اشتماله على مفسدة مستندة إلى إمارة، وأما احتمال المفسدة
الخالية عن الإمارة فلا يعتد بها ألا ترى أنهم يلومون من امتنع عن الجلوس تحت حائط
محكم البنيان لا ميل فيه باحتمال سقوطه، ويحكمون بأن تجويز العقل من غير إمارة على
ذلك