و الأمر بالقضاء للمجتهدين نحو رواية: و
أنّ الرادّ عليه كالرادّ على اللَّه ([1])
حيث إنّ الأمر يدلّ على ثبوت الحكم أو الحقّ على موضوعه الواقعي، فيجوز للقاضي
إسناده و الحكم على واقعه، و يدلّ على نفوذ حكمه و حجّيته في حقّ الآخرين.
و فيه: ما تقدّم من أنّ جواز الحكم و القضاء
بل و الإسناد يكون العلم موضوعاً فيه، فلا يمكن استفادته بشيء من هذين الدليلين و
لو ضمّ أحدهما إلى الآخر؛ لأنّ مفاد كلّ واحد منهما حكم آخر أجنبي عن الحجّية
القضائية، و لا ملازمة بينهما و بين ذلك لا عقلًا و لا عرفاً، خصوصاً مع ملاحظة
كونهما دليلين منفصلين، لا في خطاب واحد، فتدبّر جيّداً.
الوجه الثالث:
ما ذكره في الجواهر و غيره من كون العلم أقوى من البيّنة المعلوم
إرادة الكشف منها ([2]). و الظاهر من ذيل هذا
التعبير أنّ مقصوده أنّ البيّنة إذا كانت حجّة في مقام القضاء و الحكم- و من
المعلوم أنّ حجيّتها إنّما تكون من باب الكاشفية و الطريقية لا الموضوعية و
الصفتية- فالعلم الذي هو طريق و كاشف أقوى أولى بالحجّية و القيام مقام البيّنة
المأخوذة بما هي كاشف في موضوع جواز الحكم و القضاء.
و فيه: أنّ العلم إنّما يكون أقوى كشفاً و
أولى بالحجّية بالنسبة إلى نفس العالم و ما يرجع إليه من الأحكام الواقعية التي
يلتمس طريقاً إليها، و ليس كذلك بالنسبة للآخرين، كما هو الحال في باب القضاء؛ حيث
يراد تنفيذ حكم القاضي على الغير، فإنّه عندئذٍ لا يكون علمه و هو شاهد واحد أقوى
من البيّنة عند الشارع و لا عند المدّعي و المنكر، بل البيّنة العادلة أقوى من
ناحية تعدّد الشهادة فيها، فقد لا يكتفي الشارع بعلم الواحد و لو كان هو القاضي.
هذا مضافاً إلى أنّ احتمال ملاحظة
[1] انظر: الوسائل 1: 23،
ب 2 من مقدمة العبادات، ح 12.