العقوبة على موضوعها الواقعي، و أما
كيفية إثبات موضوعها و إدانة المتهم بها فهو مقام القضاء و إثبات الدعوى، الذي هو
مقام آخر أجنبي عن مفاد هذه الخطابات، كما هو الحال في تمام أدلّة الأحكام و
الحقوق المدنية أو الجنائية الواقعية الاخرى.
و كون الخطاب للحكّام- لو سلّم- لا يقتضي كونه ناظراً إلى مقام
الإثبات، بل هو إرشاد على كلّ حال إلى التشريع الجنائي و ما هو المقرر ثبوتاً في
كلّ جريمة من العقوبات. و أمّا مسألة الحجّية الذاتية للعلم بالنسبة لمن حصل له
العلم بموضوع الحكم فقد عرفت فيما سبق أنّه أجنبي أيضاً عن باب القضاء و جواز حكم
الحاكم به فضلًا عن نفوذه على الآخرين.
و قد يقال: إنّ الخطاب في الآيات
الكريمة لو كان متوجّهاً إلى الحكّام فنفس هذه النكتة تصبح قرينة على أنّ نظر
الآيات إلى الحكم القضائي أيضاً، و إن شئت قلت: إلى الحكم النهائي و النتيجة
العملية، فتدلّ لا محالة على كفاية الواقع للحكمين الجنائي و القضائي معاً، فيجوز
حكم الحاكم استناداً إلى علمه الشخصي؛ لكونه حينئذٍ طريقاً إلى جواز الحكم، و
جوازه موضوع للنفوذ و حجّيته في حق الآخرين بمقتضى أدلّة نفوذ حكم الحاكم إذا كان
حكمه جائزاً له مشرعاً، على ما سيأتي الحديث عنها.
و لكن الصحيح: أنّه لا وجه لهذا
الاستظهار؛ فإنّ نكتته إن كانت لغوية جعل الحكم الجنائي على موضوعه الواقعي و
الحكم القضائي على كيفية إحرازه و إثباته فقد تقدم عدم صحة ذلك في المقدّمات، و إن
كانت النكتة في نفس توجيه الخطاب إلى الحكّام فمضافاً إلى إمكان المنع عن أصل ذلك
حيث لا موجب لتقييد الآيات بذلك أنّه لا موجب له؛ إذ الحاكم أيضاً لا بدّ و أن
يعرف ما هو الحكم الجنائي، فتكون الآيات بصدد الإرشاد إليها بلا نظر إلى الحكم
القضائي أصلًا؛ فإنّه حكم آخر وجهة اخرى كما لا يخفى.
و قد يقال: إنّنا نستفيد ذلك من ضمّ
أدلّة إقامة الحدود و الحقوق إلى دليل النصب