و منها: إنّ ثقة الإسلام
الكليني جمع روايات الكافي في عشرين سنة[1]،
فلو كانت الكتب و الاصول المصنّفة السّابقة على زمانه الموجودة بيده متواترة و
رواياتها قطعية، أو- على الأقلّ- معتبرة لم يفتقر في تأليفه إلى تلك المدّة
الطّويلة، فيعلم أنّ أحاديث الاصول و الكتب لم يتميّز غثها و سمينها، و ضعيفها و
قويها، باطلها و صحيحها، و مرويها و مجعولها، فاستدعى التمييز المذكور تلك المدّة،
لكن التمييز المزبور ليس أمرا قطعيّا حسيّا، و إنّما هو مستند إلى قرائن و أمارات
نظريّة اعمل فيها الرأي و الاجتهاد، و كلّ ميسر لما خلق لأجله.
و
منها: تضعيف الشّيخ بعض روايات الكافي و غيره، كقوله بعد نقل حديثين: إنّهما خبر
واحد لا يوجبان علما و لا عملا؛ و لأنّ راويها عمران الزعفراني، و هو مجهول، و في
أسناد الحديثين قوم ضعفاء لا نعمل بما يختصون بروايته[2]،
و نحو ذلك.
و
منها: تضعيف الشّيخ المفيد روايات الكافي و الصّدوق.[3]
و
منها: قول الشّيخ في آخر التهذيب- أوائل المشيخة-: و الآن، فحيث وفّقنا اللّه
تعالى للفراغ من هذا الكتاب، فنحن نذكر الطرق الّتي يتوصل بها إلى رواية هذه
الاصول و المصنّفات، و نذكرها على غاية من الاختصار؛ لتخرج الإخبار بذلك عن حدّ
المراسيل، و تلحقّ بباب المسندات.
فلو
كانت روايات كتابه قطعيّة أو معتبرة من غير جهة الأسناد، لم يحتج الشّيخ إلى ذكر
الأسناد و لم يضرّها الإرسال.
و
منها: وجود بعض روايات غير قابل للتصديق، كرواية أبي بصير عن الصّادق عليه السّلام
في قول اللّه عزّ و جل: وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ
سَوْفَ تُسْئَلُونَ، فرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الذّكر، و
أهل بيته المسؤولون، و هم أهل الذكر[4] أي:
الرسول ذكر لنفسه.
و
منها: اهتمام العلماء قديما و حديثا بالبحث عن وثاقة الرّواة، و صدقهم و كذبهم، و
تدوين علم الرجال و التدقيق في مسائلها، و لو كانت الرّوايات قطعيّة لم يستحقّ
العلم المذكور ذاك الاعتناء.