البحث الثالث و الثلاثون:
معنى: الصّحة في مصطلح القدماء
اشتهر
أنّ اعتبار الرّوايات على أساس التقسيم الرباعي المبتني على ملاحظة السند، اصطلاح
جديد حادث من زمن العلّامة و شيخه ابن طاووس رحمه اللّه، و كان القدماء يعوّلون
على القرائن المفيدة للعلم أو الاطمئنان، فالصحّة عندهم احتفاف الخبر بالقرينة، و
قيل: الصحيح عندهم ما علم صدوره من المعصوم.[1]
و
نحن في هذا البحث نتعرض لبيان هذه القرائن.
قال
شيخنا البهائي رحمه اللّه في محكي مشرق الشّمسين[2]،
بعد ذكر تقسيم الحديث إلى الأقسام الأربعة: الصحيح، الحسن، الموثق، و الضعيف: و
هذا الإصطلاح لم يكن معروفا بين قدمائنا ... بل المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على
ما اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، و اقترن بما يوجب الوثوق به و الركون إليه، و
ذلك بأمور:
منها:
وجوده في كثير من الاصول الأربعمائة الّتي نقلوها عن مشائخهم بطرقهم المتصلة
بأصحاب العصمة، و كانت متداولة في تلك الأعصار مشتهرة بينهم اشتهار الشّمس في
رابعة النهار.[3]
[1] . و قد يقال: إنّ الصحة عندهم هي الصحة بعينها عند
المتأخّرين، و سيأتي تفصيله عن قريب.
[3] . حصول القطع أو الوثوق منه مختلف باختلاف الأشخاص
فرب شخص يقطع لأجل وجود الحديث في ثلاثه أصول و رب شخص لا يقطع به إلّا إذا وجده
في عشرة أصول مثلا، فليس لهذه القرينة ضابط، و لا مجال للردّ و الالزام، لكن هذه
القرينة مفقودة في أعصارنا.