حَمداً نُزاحِمُ بِهِ مَلائِكَتَهُ المُقَرَّبينَ، ونُضامُ‌[1] بِهِ أنبِياءَهُ المُرسَلينَ في دارِ المُقامَةِ الَّتي لا تَزولُ، ومَحَلِّ كَرامَتِهِ الَّتي لا تَحولُ.[2]

وَالحَمدُ للَّهِ الَّذِي اختارَ لَنا مَحاسِنَ الخَلقِ، وأَجرى‌ عَلَينا طَيِّباتِ الرِّزقِ، وجَعَلَ لَنَا الفَضيلَةَ بِالمَلَكَةِ عَلى‌ جَميعِ الخَلقِ، فَكُلُّ خَليقَتِهِ مُنقادَةٌ لَنا بِقُدرَتِهِ، وصائِرَةٌ إلى‌ طاعَتِنا بِعِزَّتِهِ.

وَالحَمدُ للَّهِ الَّذي أغلَقَ عَنّا بابَ الحاجَةِ إلّاإلَيهِ، فَكَيفَ نُطيقُ حَمدَهُ؟ أم مَتى‌ نُؤَدّي شُكرَهُ؟ لا، مَتى‌؟

وَالحَمدُ للَّهِ الَّذي رَكَّبَ فينا آلاتِ البَسطِ، وجَعَلَ لَنا أدَواتِ القَبضِ، ومَتَّعَنا بِأَرواحِ الحَياةِ، وأَثبَتَ فينا جَوارِحَ الأَعمالِ، وغَذّانا بِطَيِّباتِ الرِّزقِ، وأَغنانا بِفَضلِهِ، وأَقنانا[3] بِمَنِّهِ، ثُمَّ أمَرَنا لِيَختَبِرَ طاعَتَنا، ونَهانا لِيَبتَلِيَ شُكرَنا، فَخالَفنا عَن طَريقِ أمرِهِ، ورَكِبنا مُتونَ زَجرِهِ، فَلَم يَبتَدِرنا[4] بِعُقوبَتِهِ، ولَم يُعاجِلنا بِنِقمَتِهِ، بَل تَأَنّانا[5] بِرَحمَتِهِ تَكَرُّماً، وَانتَظَرَ مُراجَعَتَنا بِرَأفَتِهِ حِلماً.

وَالحَمدُ للَّهِ الَّذي دَلَّنا عَلَى التَّوبَةِ الَّتي لَم نُفِدها إلّامِن فَضلِهِ، فَلَو لَم نَعتَدِد مِن فَضلِهِ إلّا بِها، لَقَد حَسُنَ بَلاؤُهُ عِندَنا، وجَلَّ إحسانُهُ إلَينا، وجَسُمَ فَضلُهُ عَلَينا، فَما هكَذا كانَت سُنَّتُهُ فِي التَّوبَةِ لِمَن كانَ قَبلَنا، لَقَد وَضَعَ عَنّا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ، ولَم يُكَلِّفنا إلّاوُسعاً، ولَم يُجَشِّمنا[6] إلّايُسراً، ولَم يَدَع لِأَحَدٍ مِنّا حُجَّةً ولا عُذراً، فَالهالِكُ مِنّا مَن هَلَكَ عَلَيهِ،

[1]. تَضامَّ القومُ: إذا انضمّ بعضهم إلى بعض( الصحاح: ج 5 ص 1972« ضمم»).

[2]. حالَ إلى مكان آخر: أي تحوّل( تاج العروس: ج 14 ص 186« حول»).

[3]. أقناه اللَّه: أعطاه( مجمع البحرين: ج 3 ص 1518« قنا»).

[4]. ابتدرهُ: عاجَلَهُ( القاموس المحيط: ج 1 ص 369« بدر»).

[5]. تأنّى في الأمر: أي ترفّق وتنظّر( الصحاح: ج 6 ص 2273« أنا»).

[6]. لم يجشّمنا إلّايُسراً: أي لم يكلّفنا إلّايسراً، من التجشّم؛ وهو التكلّف على مشقّة( مجمع البحرين: ج 1 ص 295« جشم»).