الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى[1] عَدلًا مِنهُ تَقَدَّسَت أسماؤُهُ وتَظاهَرَت آلاؤُهُ لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ[2].
وَالحَمدُ للَّهِ الَّذي لَو حَبَسَ عَن عِبادِهِ مَعرِفَةَ حَمدِهِ عَلى ما أبلاهُم مِن مِنَنِهِ المُتَتابِعَةِ، وأَسبَغَ عَليهِم مِن نِعَمِهِ المُتَظاهِرَةِ؛ لَتَصَرَّفوا في مِنَنِهِ فَلَم يَحمَدوهُ، وتَوَسَّعوا في رِزقِهِ فَلَم يَشكُروهُ، ولَو كَانوا كَذلِكَ لَخَرَجوا مِن حُدودِ الإِنسانِيَّةِ إلى حَدِّ البَهيمِيَّةِ[3]، فَكانوا كَما وَصَفَ في مُحكَمِ كِتابِهِ: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا[4].
وَالحَمدُ للَّهِ عَلى ما عَرَّفَنا مِن نَفسِهِ، وأَلهَمَنا مِن شُكرِهِ، وفَتَحَ لَنا مِن أبوابِ العِلمِ بِرُبوبِيَّتِهِ، ودَلَّنا عَلَيهِ مِنَ الإِخلاصِ لَهُ في تَوحيدِهِ، وجَنَّبَنا مِنَ الإِلحادِ وَالشَّكِّ في أمرِهِ، حَمداً نُعَمَّرُ بِهِ فيمَن حَمِدَهُ مِن خَلقِهِ، ونَسبِقُ بِهِ مَن سَبَقَ إلى رِضاهُ وعَفوِهِ، حَمداً يُضيءُ لَنا بِهِ ظُلُماتِ البَرزَخِ[5]، ويُسَهِّلُ عَلَينا بِهِ سَبيلَ المَبعَثِ، ويُشَرِّفُ بِهِ مَنازِلَنا عِندَ مَواقِفِ الأَشهادِ، يَومَ تُجزى كُلُّ نَفسٍ بِما كَسَبَت وهُم لا يُظلَمون[6]، يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ[7].
حَمداً يَرتَفِعُ مِنّا إلى أعلى عِلِّيّينَ، في كِتابٍ مَرقومٍ يَشهَدُهُ المُقَرَّبونَ.
حَمداً تَقَرُّ بِهِ عُيونُنا إذا بَرِقَتِ الأَبصارُ، وتَبيَضُّ بِهِ وُجوهُنا إذَا اسوَدَّتِ الأَبشارُ.
حَمداً نُعتَقُ بِهِ مِن أليمِ نارِ اللَّهِ إلى كَريمِ جِوارِ اللَّهِ.
[1]. النجم: 31.
[2]. الأنبياء: 23.
[3]. في نسخة قديمة:« ولدخلوا في حريم البهيميّة»، وهو قريب من معنى الحدّ، فإنّ حريم الدار ما حولها منحقوقها ومرافقها، سمّي بذلك لأنّه يحرم غير مالكها أن يستبدّ بالارتفاق به( رياض السالكين: ج 1 ص 308).
[4]. الفرقان: 44.
[5]. البَرْزَخُ: ما بين الموت إلى القيامة( مفردات ألفاظ القرآن: ص 118« برزخ»).
[6]. إشارة إلى الآية 22 من سورة الجاثية.
[7]. الدخان: 41.