معشر الأنصار، أما ترضون أن يرجع غيركم بالشّاة و النّعم، و ترجعون أنتم و في سهمكم رسول الله؟ قالوا: بلي رضينا. فقال رسول الله (ص) عند ذلك: الأنصار كَرِشِى[1] و عَيْبَتي،[2] لو سلك النّاس شِعْباً[3] و سلك الأنصار شِعْباً لَسَلَكْتُ شعب الأنصار.[4] فطابت نفوسهم بهذه السّياسة الرّشيدة الحكيمة.
رجوع رسول الله (ص) إلى المدينة
قالوا: انته رسول الله (ص) إلى الجعرانة ليلة الخميس، لخمس ليال خلون من ذي القعدة، فأقام بالجعرانة ثلاث عشرة ليلة، ثمّ خرج (ص) بمن معه من الجعرانة متّجهاً إلى مكّة، فأتمّ عمرته و حلّ من إحرامه و استخلف على مكّة عَتّاب بن أسيد و معه معاذ بن جبل يفقّه النّاس بالدّين و يعلّمهم القرآن، و خرج منها متّجهاً إلى المدينة بمن معه من المهاجرين و الأنصار و دخلها في الأيّام الأخيرة من ذي القعدة بعد انتصارَين من أعظم انتصارات الّتي حقّقها في حروبه و غزواته. و هما فتح مكّة و هزيمة جيشٍ مؤلّفٍ من ثلاثين ألف مقاتل في حنين، هزيمة لم تعرف هوازن و أحلافها أسوأَمنها و تركت هذه الانتصارات المتتالية أثراً بليغاً في نفوس عظماء العرب و قادتهم الّذين كانوا لا يتصّورون أن تضطرّهم الأيّام للخضوع لمحمّدٍ و الإقرار له بالطّاعة.