قد كان يجب أن يدخل مكّة فاتحاً بدون حرب و لا قتال و دعا الله سبحانه أن يمنع عن قريش العيونَ و الأخبار.
و من غير الطّبيعي كتمان أمر عن أمّة بأسرها يستنفر منها عشرة آلاف مقاتل ليعالجوا نفس هذا الأمر المكتوم مع كثرة الموتورين و الحاقدين في المنطقة، و مع وفرة المنافقين المتربّصين بالإضافة إلى الّذين يبحثون عمّا يفيدهم في مصالحهم الشّخصيّة أو القِبَلِيّة أو غيرها.
و خفاء هذا الأمر الخطير إلى هذا الحدّ و في ظروف كهذه و في هذا المحيط بالذّات يعدّ من أعظم الإنجازات و من أجلّ التّوفيقات و يدلّل على التّدبير و الضّبط الدّقيق للأمور من قِبَل رسول الله (ص).
اكتشاف تجسّس أبي بلتعة لقريش
و مع هذا التّحفّظ الشّديد و تكتّمه عن سائر الناس سوى الخاصّة من أصحابه، فقد تسرّب نبأ مسيرته إلى حاطب بن أبي بلتعة، فكتب إلى قريش يخبرهم بالّذي عزم عليه رسول الله (ص)، و أعطى الكتاب إلى امرأة من مُزَيْنَة و أعطاها مبلغاً من المال في مقابل إيصال كتابه لقريش، فوضعت الكتابَ في رأسها و فَتَلَتْ عليه قرونَها، و خرجت باتّجاه مكّة، فنزل الوحي على الرّسول (ص) يخبره بما صنع حاطب. فأرسل النّبيّ (ص) من ساعته عليّاً و الزّبير و أمرهما أن يُجدّا السّير في طلب المرأة قبل أن تفوتهما.
فخرجا مُسرعَين، فأدر كاالمرأة بالخَليقَة؛[1] خَليقة بني أحمد، فاستنزلاها و التماسا الكتاب في رحلها فأنكرت و حلفت: أنّه لا شىء معها و بكت.
فقال الزّبير: ما أرى يا أبا الحسن معها كتاباً، فارجع بنا إلى رسول الله (ص) نخبره ببراءة ساحتها. فقال له أميرالمؤمنين (ع): يخبرني رسول الله (ص) أنّ معها
[1] 1. الخليقه كسفينة: منزل على اثني عشر ميلًا من المدينة.