أمرهم بالجِدّ و الجهاد و وعدهم النّصر، إن هم صبروا و اتّقوا، و أمرهم بطاعة الله و طاعة رسوله.
و شاورهم، فقال: أنبرز لهم من المدينة، أم نكون فيها و نخندقها علينا، أم نكون قريباً و نجعل ظهورنا إلى الجبل؟ فاختلفوا.
فقال سلمان: يا رسول الله! إنّا إذكنّا بأرض فارس، و تخوّفنا الخيل خندقنا علينا، فهل لك يا رسول الله أن نخندق؟ فأعجب رأى سلمان المسلمين، و أحبّوا الثّبات في المدينة.
فركب رسول الله (ص) فرساً له، و معه نفر من أصحابه فارتاد موضعاً ينزله، فكان أعجب المنازل إليه: أن يجعل سلعاً[1] خلف ظهره و يخندق على المَذاد، إلى ذباب، إلى راتج. فعمل يومئذٍ الخندق، و ندب النّاس و خبرهم بدنوّعدوّهم و عسكرهم إلى سفح سلع.[2] و لنا مع هذا الّذي يذكره المؤرّخون وقفات، و هي التّالية.
ألف. مَن أخبر النّبيّ (ص) بمسير الأحزاب؟
قد تقدّم: أنّ ركباً من خزاعة قدم إلى المدينة في مدّة أربعة أيّامٍ، فأخبروا النّبيّ (ص) بمسير الأحزاب إليه. ولكنّا نجد نصّاً آخر عن علي (ع) يقول: إنّ النّبيّ (ص) قد علم بذلك من جهة جبرئيل (ع) فخندق على نفسه و من معه».[3] و لا نستبعد أن يكون كلا الأمرين قد حصل.
ب. مَنِ المشير بحفر الخندق؟
إنّ السّياق المذكور آنفاً يدلّ: على أنّ النّبيّ (ص) هو الّذي بادر إلى اقتراح حفر الخندق، ثمّ لمّا اختلف المسلمون، فتكلّم سلمان الفارسي بطريقةٍ بَيَّنَ لهم فيها