التي أرسلها عثمان إلى الاقطار بصورة تدريجية، و احتلت بعد فترة من الزمن مكانها الطبيعي، و بدأت سائر المصاحف التي تخالفها في الترتيب، أو كتبت فيها بعض التفسيرات، أو الأدعية، و نحوها- بدأت- تغيب عن الساحة، حتى أصبحت بمرور الأيام، أثرا بعد عين، و في خبر كان، و حفظ اللّه القرآن عن أن يتطرق إليه أي لبس، أو اختلاف: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ».
الحجّاج و قراءة عثمان:
و بعد .. فان اهتمام الاخطبوط الأموى بدعم موقف عثمان، و خطه، و اضطهاد كل ما و من يخالفه، أو يعترض عليه، قد أسهم في تلاشي قراءة ابن مسعود، في مجتمع أهل الكوفة، و العراق بصورة عامة، لا سيما .. و أن الحجّاج هو الذي تصدى لذلك إبّان حكمه للعراق، من قبل خلفاء الأمويين ..
قال الاسكافي، ما ملخصه: و الذي ساعد على ذلك، بصورة أتم، و أوفى: أن الحجّاج قد أخذ الناس بقراءة عثمان، و ترك قراءة ابن مسعود، و ابي بن كعب.
و توعد على ذلك. و كان سلطانه نحو عشرين سنة؛ فما مات الحجاج، حتى اجتمع أهل العراق على قراءة عثمان، و نشأ ابناؤهم، و لا يعرفون غيرها؛ لامساك الآباء عنها، و كفّ المعلمين عن تعليمها، حتى لو قرئت عليهم قراءة عبد اللّه، و أبي ما عرفوها، و لظنوا بتأليفها الاستكراه و الاستهجان؛ لإلف العادة، و طول الجهالة[1].
و قد بلغ من شدة الحجّاج في هذا الأمر، و قسوته، و وقاحته، أنه كان يقول:
يا عجبا من عبد هذيل! (يعني: ابن مسعود) يزعم: أنه يقرأ قرآنا من عند اللّه.
و اللّه، ما هو إلا رجز من رجز الاعراب. و اللّه، لو أدركت عبد هذيل؛ لضربت
[1] راجع: شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزلي، الحنفي ج 13 ص 223.