مِن خَلقِكَ. أَنتَ الَّذِي خَلَقتَ سَبعاً فِي الهَواءِ بِكَلِماتِكَ مُستَوِياتٍ طِباقاً أَجَبنَ وهُنَّ دُخانٌ مِن فَرَقِكَ، فَأَتَينَ طائِعاتٍ لِأَمرِكَ، فِيهِنَّ مَلائِكَتُكَ يُسَبِّحُونَ قُدسَكَ لِتَقدِيسِكَ، وجَعَلتَ فِيهِنَّ نُوراً عَلى سَوادِ الظُّلامِ وضِياءً مِن ضَوءِ الشَّمسِ بِالنَّهارِ، وجَعَلتَ فِيهِنَّ الرَّعدَ المُسَبِّحَ بِالحَمدِ، فَبِعِزَّتِكَ يَجلُو ضَوءُ ظُلمَتِكَ. وجَعَلتَ فِيهِنَّ مَصابِيحَ يُهتَدى بِهِنَّ فِي ظُلُماتِ الحَيرانِ.
فَتَبارَكتَ اللَّهُمَّ فِي مَفطُورِ سَماواتِكَ وفيما دَحَوتَ مِن أَرضِكَ، دَحَوتَها[1]
عَلَى الماءِ، فَسَمَكتَها عَلى تَيّارِ المَوجِ الغامِرِ، فَأَذلَلتَها إِذلَالَ التَّظاهُرِ، فَذَلَّ لِطاعَتِكَ صَعبُها، واستَحيا لِأَمرِكَ أَمرُها، وخَضَعَت لِعِزَّتِكَ أَموَاجُها، فَفُجّرَت فِيها بَعدَ البُحُورِ الأَنهارُ، ومن بَعدِ الأَنهارِ الجَداوِلُ الصّغارُ، ومِن بَعدِ الجَداوِلِ يَنابِيعُ العُيُونِ الغَزّارِ، ثُمَّ أَخرَجَتَ مِنها الأَنهارَ والأَشجارَ والثِّمارَ، ثُمَّ جَعَلتَ عَلى ظَهرِها الجِبالَ، فَوَتَدتَها أَوتَاداً عَلى ظَهرِ الماءِ، فَأَطَاعَت أَطوادُهَا وجُلمُودُها.
فَتَبارَكتَ اللَّهُمَّ، فَمَن يَبلُغُ بِنَعتِهِ نَعتَكَ، أَمَّن يَبلُغُ بِصِفَتِهِ صِفَتَكَ؟ تَنشُرُ السَّحابَ، وتَفُكُّ الرِّقابَ، وتَقضِي الحَقَّ وأَنتَ خَيرُ الفاصِلِينَ، لا إِلهَ إِلّا أَنتَ سُبحانَكَ، أَمَرتَ أَن نَستَغفِرُكَ مِن كُلِّ ذَنب، لا إِلهَ إِلّا أَنتَ سُبحانَكَ، سَتَرتَ السَّمَاوَاتِ عَنِ النّاسِ، لا إِلهَ إِلّا أَنتَ سُبحانَكَ، إنَّما يَغشاكَ مِن عِبادِكَ الأَكياسُ.
نَشهَدُ أَنَّكَ لَستَ بِإِلهٍ استَحدَثناك، ولا رَبٍّ يَبِيدُ ذِكرُهُ، ولا كانَ مَعَكَ شُرَكاءُ فَنَدعُوهُم ونَذكُركُ، ولا أَعَانَكَ عَلى خَلِقنَا أَحَدٌ، فَنَشُكَّ فِيكَ، نَشهَدُ أَنَّكَ أَحَدٌ صَمَدٌ، لَم يَلِد ولَم يُولَد، ولَم يَكُن لَكَ كُفُواً أَحَدٌ.[2]
115. عيسى بن مريم عليه السلام: اللَّهُمَّ خالِقَ النَّفسِ مِنَ النَّفسِ، ومُخرِجَ النَّفسِ مِنَ النَّفسِ،
[1]. أي: بسطتها.
[2]. البداية والنهاية: ج 2 ص 76، تاريخ دمشق: ج 47 ص 377 و 473 عن وهب وكلاهما نحوه.