نعم ، إنَّه لم يتّخذ الموقف الذي اتّخذه الخليفة الأوّل في حشد المسلمين ضدّ
مانعي الزكاة ، ثمَّ مقاتلتهم بلا هوادة ، حتّى نُسِبوا إلى
الارتداد والخروج عن الدين فعادوا صاغرين لأداء الزكاة ـ رغبة أو رهبة ـ وتسليمها لأبي بكر ؛
وذلك بعد أن أفهم أبوبكر المسلمين رأيه في ذلك ،
ووقف كثير منهم إلى جانبه ، على الرغم ما لبعضهم ﻛ [مالك بن نويرة] من إذن له مِنَ النبيّ 0 في أخذ الزكاة والصدقات
وتوزيعها في محتاجي قومه ومعوزيهم[119] .
وإذا
توغّلنا في التاريخ بعين فاحصة فسنجد حتّى خاصّة عثمان ومؤيّديه في حكومته ، كزيد بن ثابت ، والمغيرة بن شعبة لم يتجرّؤو على أن ينقلوا وضوءات تشبه وضوء خليفتهم
!
بل ولم
ينقل عنهم أيّ ردّ فعل تجاه مدرسة الناس الآخرين في الوضوء النبويّ
وبقي
عثمان ـ مع نفر يسير من مواليه وأنصاره ـ يؤكّد ما رآه من وضوء ، ونَسَبَهُ عنوة لرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم ، وراح يضفي على اتّجاهه الوضوئيّ العناية والاهتمام ، بعد أن تمكّن من تسخير هذه المجموعة الضئيلة لمصلحته ، وأنّها قد لا تكون في حساب الحقيقة والتأثير أي شيء في قبال ذلك
المدّ العارم الذي وقف بوجهه متحدّيا وطالبا بكلّ قوّة وأمانة رجوعه إلى الكتاب
والسنّة[120]
[119] انظر في ذلك
الإصابة 5 : 755 ت 7702 ، نيل
الاوطار 4 : 176 ،
الاكتفاء بما تضمَّنه من مغازي رسول الله 3 : 12 ، المنتظم 4 : 77 ، ومادة ( ن و ر ) من تاج العروس .
[120] مثل وقوف ابن عباس أمام الربيع بنت
المعوذ ، والإمام علي أمام أصحاب الراي وقوله :
لو كان الدين بالراي لكان باطن القدم أولى من ظاهره إلّا أني رأيت رسول الله
يمسح على ظاهره ، وقول أنس بن مالك : كذب الحجّاج نزل
القرآن بالمسح ، فهؤلاء الصحابة وقفوا أمام الخليفة وأنصاره
بهذه الأقوال .