عمل الصحابة في
المورد المشار إليه ، فليس لنا إشكال في أصل هذا الكلام والمبنى ،
لكن فيه على أهل السنّة إيرادان : نقضيّ وحلّي ؛ إذ أنك ترى أهل السنّة يتّبعون عمل الصحابة ويجعلونه معياراً لهم في
الأحكام الفقهيّة ، ولكنّهم اتّخذوا موقفاً مضادّاً لمنهجيّتهم الفقهيّة في مسألة « حيّ على خير العمل » على الرغم من دعم عمل الصحابة فيها بالنصوص الكثيرة الصريحة
والشـواهد التاريخـيّة المؤيّـدة لها .
فعلى الرغم من
التزام الصحابة بـ « حيّ على
خير العمل » في
أذانهم، وعلى رغم كثرة الروايات التي تؤكّد شرعيّتها ،
ترى بعضهم يستثنون حكم هذه المسألة على ضوء طريقتهم فيقولون : الحجّة ـ في هذه المسألة بالذات ـ عمل النبيّ الأعظم
وليس عمل الصحابة ، مع أنّ مِن بينهم مَن يقول بأنَّ ( فعل الصحابيّ يخصّص القرآن )[448] وهذا تناقض واضح وصريح من جانبهم !
بينما تراهم في حين آخر يقولون بأنّ فعل الصحابيّ هو علامة أو انعكاس لفعل
النبيّ الأكرم ،
ولمّا كان ثمّـة خـلاف بين فقه عليّ 1 وفقه عمر ،
وبين ابن عمر وعمر نفسه ،
وبين الصحابة الآخرين فيما بينهم أيضاً ، فإنّ هذا مؤشر يدلّ دلالة واضحة على وجود مذهبين
مختلفين :
أحدهما يتبع رسول الله 0 والنصوص الواردة ،
والآخر يعطي لنفسه الاجتهاد ،
ويتعبد بسيرة الشيخين وإن خالفت سنة رسول الله 0 .
ولو نقّبت في الكتب
وتتبّعت أقوال المورخين في ابن عمر لوقفت على أنّ المشهور عندهم أنّه كان يتحرّى
آثار النبيّ الأكرم، وقد سُطِّرَتْ في كتاب « منع تدوين الحديث » ثمان وثلاثون حالة اختلف فيها عبدالله بن عمـر مع أبيه .
إذ كان ابن عمر في
أغلبها يحاول اتّباع سنّة رسول الله ، لكنّ عمر لم يأبه
بكلام ابنه ، ملتزماً برأيه ، عاملاً بالقياس أو الاستحسان وما شابه ذلك