وهل يُعدّ هذا
الاختلاف حقاً من الاختلاف المسموح به في الشر يعة ، أم أنّه شيء آخر ؟ .
بل لِم اشتدّ أُوار
النزاع بين المسلمين في أمور بديهية ، كالوضوء والأذان ـ مثلاً ـ وهما من الأمور العبادية التي يؤدّيها كلّ مسلم عدّة مرّات في اليوم
والليلة ؟
قال ابن حزم : « أربعة
أشياء تَنازَع الناسُ فيها : الوضوء ، والأذان ، والإقامة ، والطواف بالبيت »[8] .
وهل يمكن جعل معيار
الاختلاف في الأذان بمثابة الاختلاف في تعيين المُدِّ والصاع والوسق الذي يُختلف
فيه بين منطقة وأُخرى ، أو يُغيَّر ـ أي يُحدَثُ فيه ـ من قبل الأمير والخليفة لحاجة له فيه ؟
كلا « ليس
هذا من المدّ والصاع والوسق في شيء ، لأنّ كل مدّ أو قفيز أُحدث بالمدينة
وبالكوفة قد عُرف ،
كما عُرف بالمدينة مُـدّ هشام الذي أُحـدِث ، والمدّ الذي ذكره مالك في مُـوطّئه : أن الصاع هو مدّ وثلث بالمدّ الآخر ، وكمُـدّ أهل الكوفة الحجّاجي ، وكصاع عمر بن الخطّاب . ولا حرج في إحداث الأمير أو غيره مدّاً
أو صاعاً لبعض حاجته ،
وبقي مُدُّ النبيّ وصاعه ووسقه منقولاً إليه نقل الكافّة إليه »[9] !
فكيف يختلفون في
الأذان إذاً ، فيذهب بعضهم إلى أنّه شُرّع في السماء ، ويقول
الآخر إنّه شُرّع بعد رؤيا رآها صحابيٌّ أو عدد من الصحابة ؟
وهل يصحّ تشريع
العبادة بمنام يراه أحد الناس ، أم أنّ تشريعها يجب أن يكون بوحي من الله ؟
[8] المحلّى لابن حزم 3 : 161 ضمن
بحثه عن جواز التقديم والتأخير في الأذان والإقامة وعدمه .