قلنا: أجل، لابدّ من الدلائل على صحة ما ادّعيناه من ذلك، وأنتم
فإنّما سألتم عن فرع[852]، والفرع لا يُدَلُّ عليه دون
أن يُدَلََّ على صحة أصله[853]، ودلائلنا في كتبنا موجودة
على صحة هذه الأُصول.
ونظيرُ ذلك أنّ سائلًا لو سألنا الدليل على صحة الشـرايع
لاحتجنا أن ندلّ على صحة الخبر، وعلى صحة نبوَّة النبي (ص) ، وعلى أنّه أمر بها، وقبل ذلك أنّ الله واحد حكيم، وذلك بعد فراغنا من الدليل على أنّ العالَـم محدَث،
وهذا نظير ما سألونا عنه.
[عدم
المنافاة بين النصّ على الإمام وغَيبته:]
وقد تأمّلتُ في هذه المسألة، فوجدتُ غرضها ركيكًا، وهو
أنّهم قالوا:
(لو كان الحسن بن علي (ع) قد نصّ
على من تدّعون إمامته، لسقطت الغَيبة).
والجواب
في ذلك: أنّ الغَيبة ليست هي العدم، فقد يغيب[854] الإنسان إلى بلد يكون معروفًا
فيه، ومشاهَدًا لأهله، ويكون غائبًا عن بلد آخر، وكذلك قد يكون الإنسان غائبًا عن
قوم دون قوم، وعن أعدائه لا عن أوليائه، فيُقال: (إنّه غائب، وإنّه مستتر)، و إنّما
قيل: (غائب)؛ لغيبته عن أعدائه، وعمّن لا يوثَق بكتمانه من أوليائه، وأنّه ليس مثل
آبائه ظاهرًا
للخاصّة والعامّة، وأولياؤه مع هذا ينقلون وجوده وأمره ونهيه، وهم عندنا ممّن تجب
بنقلهم الحجة، إذ[855] كانوا يقطعون