بسمة الضعف و القصور، ثمّ تلتها الغارات الشعواء التي شنّها بعض المنتحلين للعلم، فكان لها الدور الكبير في الابتعاد عن المدرسة الخمينية.
و ثمّة سبب آخر للهجر: و هو الشهرة المنقطعة النظير التي كانت للحوزة النجفية، و ذياع صيتها، و اشتهار أعلامها، و مسلّمية استاذيتهم، خصوصاً آيات اللَّه العظام: النائيني، و الأصفهاني، و العراقي نوّر اللَّه مضاجعهم، ثمّ ورث تلامذة هؤلاء الأعلام هذه الشهرة، فانصرف الناس إليهم، و عكفوا على دروسهم، و ما كان يخطر ببال أحد أن سيأرز العلم إلى قم كما تأرز الحيّة لجحرها [1].
و سبب ثالث: ألا و هو استحكام معالم المدرسة الخمينية، و قوّة عارضتها، فما أحاط شخص بمطالبها إلّا و رأى نفسه مذعناً لها، مصدّقاً بها، و ما وقف أمامها إلّا و كان ريشة في مهبّ الريح العاتية، و قد اعتاد الكثيرون على البحث حول مطالب يسهل ردّها و الاعتراض عليها، فإنّ التصديق المطلق تقليد مطبق!
ناهيك عن البحوث المبنائية التي جرت سيرة إمامنا على سردها رغم مخالفته لمبانيها؛ حرصاً منه قدس سره على بيان القضية بكلّ محتملاتها، و عامّة الطلبة لا يؤنسهم إلّا مختار الاستاذ الشخصي، و كأنّهم في مقام تلقّي الفتوى، لا البحث الاستدلالي المعدّ لتخريج المجتهدين.
[1] في سفينة البحار 2: 445 عن الصادق عليه السلام أنّه ذكر الكوفة و قال: «ستخلو الكوفة من المؤمنين، و يأرز عنها العلم كما تأرز الحيّة في جحرها، ثمّ يظهر العلم ببلدة يقال لها: قم، و تصير معدناً للعلم و الفضل».