فلمّا رأى الجالوت كلامه عليه السلام بهت و تحيّر و شهق شهقة. و قال:
أشهد أنْ لا إله إلّا الله و أنَّ محمَّداً رسول اللَّه و أنّك وليّ اللَّه و وصيّ رسوله و معدن علمه حقّاً حقّاً.
و يشرح القاضي بمهارته الخاصّة هذا الحديث الشريف، و يخوض في لججه بذوق عرفانيّ و نطق قرآنيّ ممّا يثير استحسان الإمام رحمه اللَّه و ثنائه عليه في كلّ موضع و فقرة، و يبادر إلى كتابة تعليقة عليه إتماماً للفائدة الكامنة في الأسرار الّتي أودعها القاضي في شرحه و الّتي يتعذّر على الآخرين كشفها و فهمها.
أبرز فقرات الكتاب
رغم أنّ هذا الشرح بمُجمله ينطوي على تحقيق و تدقيق ببيان رقيق و دقيق و لكن تتألّق بعض فقراته و تبرز بشكل خاص من بين أجزاء الكتاب و أبوابه، و فيما يلي نكتفي بذكر أبرز تلك الفقرات:
قد عرفت أنّ الشيطان هنا عبارة عمّا سوى اللَّه، فاعلم أنّ الكفر بالشيطان هو اعتقاد أنّ العالم غيب ما ظهر قط، و إنّما الظاهر هو اللَّه فحسب، و هذا كفر مُحقّقي الصوفيّة حيث زعموا أنّه سبحانه ظهر بصورة كلّ شيء، فهذا الزاعم أخفى الشيء الذي هو السوي- أي: العالم- و هو الكفر بالشيطان. و لا تتوحش من ذلك فإنّه أعلى درجات بالنظر إلى قوم، و لكن
(حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين).
قال صاحب الفتوحات: إنَّ العالم غيب لم يظهر قطّ، و الحقّ هو الظاهر ما غاب قطّ، و الناس في هذه المسألة على عكس الصواب فإنّهم يقولون: إنّ الحقّ تعالى غيب و العالم هو الظاهر فهم بهذا الاعتبار في مقتضى هذا الشرك.
أقول: و قد غفل هذا العارف عن الشرك اللازم من زعمه، حيث حكم