62 الشيخ العالم العارف الذارى أحمد بن محمد المشتهر بأبى على الرود بارى بغدادى
أقام بمصر، و مات بها سنة اثنتين و عشرين و ثلثمأة. صحبت الجنيد، و النوري، و ابن الجلاء، و الطبقة. أطرف المشايخ و أعلمهم بالطريقة- كذا في رسالة القشيرى إلى الصوفيّة-، و قال أيضا: كان استادي في التصوّف الجنيد، و في الفقه أبو العبّاس بن سريج، و في الأدب ثعلب، و في الحديث إبراهيم الحربى.
و أقول: إنّ هذا الشيخ من كبار مشايخ الصوفيّة، و صاحب كلمات كثيرة حكميّة و قد أخذ عنه كنيه الشيخ أبو عليّ بن الكاتب، و اسمه الحسن بن أحمد، و الشيخ أبو القاسم ابراهيم بن محمّد النصر آبادي- شيخ خراسان في وقته- و ابن اخته الشيخ أبو عبد اللّه أحمد بن عطاء الرودبارى- شيخ الشام في وقته-.
و نقل أنّه سئل أبو علىّ الرودبارى عمّن يسمع الملاهي، و يقول: هى حلال لأنّى قد وصلت إلى درجة لا يؤثّر فيّ اختلاف الأحوال. فقال: نعم قد وصل و لكن إلى سقر، و سئل عن التصوّف. فقال: هذا مذهب كلّه جدّ. فلا تخالطوه بشيء من الهزل، و أيضا في تعريفه التصوّف: إناخة على باب الحبيب و إن طرد، و حكى أيضا عنه أنّه قال: قدم علينا فقير. فمات فدفنته، و كشفت عن وجهه لأضعه في التراب ليرحم اللّه غربته. ففتح عينه. فقال: يا أبا علىّ أتذلّلنى بين يدى من يذلّلنى؟. فقلت:
يا سيّدي أحياة بعد الموت؟ فقال: بلى أنا حىّ، و كلّ محبّ للّه حىّ، و لأنصرنّك غدا بجاهى يا رودبارى.
و يحكى أيضا عن فاطمة اخت أبي علىّ المذكور: أنّها قالت: لمّا قرب أجل أخى أبي علىّ و كان رأسه في حجري. فتح عينه و قال: هذا أبواب السماء قد فتحت، و هذه الجنان قد زيّنت، و هذا قائل يقول لي: يا أبا علىّ قد بلّغناك الرتبة القصوى، و إن لم تردها. ثمّ أنشأ يقول: