وكانت أنفس البشر في حال الصبا [1] تكتسب الاخلاق الدنية
بالطبع ، واستمرار عادتها بها تكتسبها رذالة ، وكانت العادات التي هي
الافعال علة لاستحكام صور الاخلاق حسنة كانت أم قبيحة في الانفس ، وجب من
حيث وجوب طلب الفضيلة وامتناع الامر في اكتساب الانفس الفضائل وسلبها ما
اكتسبته في حال الصبا [2] من الرذائل إلا بلزوم العبادات أن تكون أعيان
العبادات التي بها تكتسب الانفس فضائل الاخلاق موجودة فيما بين البشر ،
فيكون للانفس في لزومها شرف الكمال إذا العبادات التي هي الاعمل في رياضة
الانفس واجبة .
والاعمال هي الشرائع وأحكامها ، وسننها .
البرهان الثالث : لما أبى الله تعالى إلا عمارة الآخرة وخراب الدنيا
، كما قال رسول الله ( صلعم ) وكانت عمارة الآخرة من جهةأنفس البشر التي
تتوفر على العبادة ، وكان بقاء أشخاص نوع البشرية والتوفر على العبادة في
الدنيا بعموم الامن واحتقان الدماء ، وانحفاظ الفروج والاموال ، وكان ذلك
كله لا يكون إلا بكون رسوم فيما بينهم مرتسمة يجرون على منهاجها فيأخذون
بأحكامها .
وكان لو لم تكن الرسوم والوضائع وأحكامها لا يكون أحد بامرأة تكون
له في داره [3] أولى من الآخر ، ولا بمال ولا بذخيرة أولى من الآخر ،
وكانت تتقد نيران الفتنة بالقتل وسفك الدماء ، وسبي الذراري ، واستباحة
الفروج ومصير القوي قاهرا لغيره فيكن ذلك مؤديا إلى البوار والهلاك ،
وانسداد أبواب بيوت عبادة الله تعالى بالاشتغال عنها بالذب عن الحريم
والاموال ، وجب من طريق الحكمة