عليه وجب به ضرب وضارب ، قلنا : إن علة الشئ في وجوده غير عين
الشئ كما نرى عيانا أن علة وجود حركة الطاحونة غير الطاحونة ، وعلة وجود
حركة أشخاص [1] الحيوان غير الاشخاص ، إذ لو كانت ذواتها علة لحركتها
لكانت أبدا متحركة لوجود ذواتها ، ولكانت حينئذ لم تكن علة بل كانت عين
الشئ ، ولما كنا نراها باقية بعد الحركة لا تتحرك .
صحيح أن علة وجود الاشياء غير ذواتها ، وكان العالم بما يحويه ذاتا
واحدة بمعنى أنه من حيث الجسمية شيئا واحدا ، وكان البعض منه متحركا والبعض
ساكنا ، ثبت أن حركة المتحرك وسكون الساكن لا من قبل ذاته ، إذ لو كان من
قبل ذاته لكانت الابعاض كلها متحركة أو ساكنة ، إذ الذوات ذات واحدة ، وإذا
ثبت أن حركة المتحرك منه ، وسكون الساكن منه لا من قبل ذاته ، وجب أن يكون
من يتحرك مسكن يحفظ نظام الكل وترتيبه [2] وهو غيره ، والمحرك المسكن هو
الصانع ، إذ الصانع ثابت .
البرهان الثاني : لما كان العالم بكليته جسما ذا أجزاء وأبعاض
معدودة [3] متغايرة بالاشكال والصول مثل ما نعاين أن صورة الافلاك
والكواكب التي هي أبعاض المعالم غير صورة الماء وصورة النار ، وشكلها غير
صورة الارض والهواء ، وصورة أشخاص المواليد غير صورة الهواء والافلاك ، وكل
ذلك على تباين صورة منتضد [4] .