لأنّنا
ذكرنا سابقاً بأنّ لأُولي الأمر كما للرسول طاعة مطلقة، كما قلنا بأنّ الطاعة
المطلقة مساوقة و ملازمة للاشتمال على الامتيازات المطلقة، أي لا بدّ من القول-
على ضوء هذه الآية دون تفسيرها و تعيين مصداقها- بأنّ اولي الأمر لا بدّ أن
يكونوا أفراداً ممّن يستند علمهم إلى معدن الوحي، و إلّا يكون علمهم جهلًا
مركّباً، و ألّا يقتصر على مائة آية أو أقلّ أو أكثر، كما لا يكون علمهم مستنداً
إلى تجارب معينة أو دراسات و أبحاث اجتماعية محدودة، بل لا بدّ أن يكونوا قد
نهلوا العلم و رضعوه من ثدي الوحي، و أن يكونوا عالمين بالقرآن و السنّة محيطين
بجميع أسرار الدين و مصير المسلمين و سبل السعادة و طرق الشقاوة، و لا بدّ أن
يكونوا أفراداً ذوي بصائر مطلقة و تامّة بأوضاع المجتمع و روحيّات الأُمّة و في
اسلوبهم في الحكم و زعامة المسلمين. و يجب أن يكونوا على درجة من الزهد و الورع و
التقوى بحيث لا تحرفهم زخارف الدنيا و زِبرجها و حلاوة رئاستها عن جادّة الصواب و
سبيل الحقّ، و ينبغي أن يكونوا على درجة من التوسّم و قوّة التشخيص بما يحول دون
خطأهم و زللهم، حتّى لا يصدروا جِزافاً الأحكام الخاطئة و القوانين المخالفة
للقرآن و السنّة فيخرّبوا البلاد و يُهلكوا العباد، كما لا بدّ أن يكونوا معصومين
من الذنب و الخطأ و الاشتباه، و أخيراً ينبغي ألّا يبخلوا بالتضحية بالغالي و
النفيس و الجود بالنفس من أجل عظمة الإسلام و تحقيق عزّة المسلمين و رفعتهم، و
ألّا تأخذهم في اللَّه لومة لائم في إحقاق الحقّ و استيفاء حقوق المسلمين، و ألّا
يألوا جهداً في الدفاع عن القرآن و الإسلام و تطبيق الأحكام و التعاليم الإسلامية.
إذن و على ضوء سياق الآية و ما يفهم منها نعرف مَن هم أُولي الأمر؟ فالذي يمكن
فهمه من قوله تعالى: وَ أُولِي الْأَمْرِ أي و أطيعوا أُولي الأمر- فإنّ طاعتهم هي طاعة رسول اللَّه، و أنّ
طاعة رسول اللَّه إنّما هي بمثابة طاعة اللَّه- هو أنّ أُولي الأمر الذي أوجبت
الآية الكريمة طاعتهم ليسوا إلّا أُولئك الذين رضعوا من ثدي